السيفُ السعودي: من “رقصة العَــرْضَـة” الى الاستعراض الفارغ!!
لكن الأحكام لا تسري على الجميع، وهناك أعناق غير قابلة للقطع بالسيف السعودي، وتصريح الجُبير يعكس هذه الخيبة، خاصة أنه أعطى تلاوة المقررات لوزير خارجية مصر، الدولة المُضِيفة، ووفَّر على نفسه المزيد من الإحراج، لكنه على غرار تصريحاته المواكِبة للعدوان على سوريا واليمن، عاد وأكَّد على ضرورة اتخاذ مواقف صلبة من قطر، في ما يُشبه كل الاستعراضات الفارغة التي تتَّسِم بها الديبلوماسية السعودية، لأن الأزمة مع قطر توريط أميركي للسعودية من السيناريو الى الإخراج، كما الأفلام الأميركية الطويلة، والنهاية كيفما أتت، ستكون أميركية والتوقيت كذلك، طالما رُعاة الإبل جاهزون لشراء الأسلحة وتشغيل أكبر قطاع إنتاجي في الولايات المتحدة، ليكون العرب حقل تجارب وتسويق، لاستهلاك السلاح في قتال العرب!
يوم عاد الرئيس ترامب من قِمم الرياض بحمولة وازنة من الأموال والصفقات، توَّج المملكة السعودية بهالة من القُدسية والبراءة، من كل الدماء التي أزهقتها على قارعة طرقات “ربيع العرب”، وتوالت بعد يومين من عودته سيناريوهات القرصنة: على وكالة الأنباء القطرية، وعلى البريد الإلكتروني لسفير الإمارات في واشنطن، وعلى وزير الخارجية البحريني وجميعها تتناول قطر، وصدر الأمر من واشنطن و”أفتت” السعودية بهدر دمّ دولة قطر، وتبِعتها الإمارات والبحرين ومصر.
المُلفت في العقوبات التي صدرت بأمر ملكي سعودي، هو بند وجوب تخفيض قطر مستوى العلاقات الديبلوماسية مع إيران، علمأً بأن سائر الدول الخليجية تُقِيم علاقات على مستوى السفراء مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وعلاقات تجارية ناشطة معها، ولو كانت السياسات الدولية قائمة على الإنتقائية السعودية، لكان أولى بالإمارات العربية المتحدة وإيران قطع العلاقات بينهما على خلفية النزاع على الجُزُر الثلاث، لكن السيف السعودي قد انتقى قطر دون سواها، لأن قطر تأوي “الإخوان المسلمين” الذين يُعارضون الفكر الوهَّابي الذي لا تؤمن السعودية سوى به وتكفِّر الآخرين، سواء كانوا مسلمين أم غير مسلمين.
منذ يومين، أكدت مؤسسة هنري جاكسون البريطانية في بحثها المتعلق بالإرهاب، أن السعودية أنفقت خلال 30 عاماً 67 مليار دولار لتعميم الفكر الوهابي عبر العالم، واتهم التقرير المملكة بالترويج العلني للكراهية وأنها أولى الدول الداعمة للإرهاب التكفيري، وأن الاتهام السعودي لقطر بدعم الإرهاب، لا ينفي أن “أولئك الذين في السعودية هم طليعة الداعمين للإرهاب”، وقد علق النائب عن حزب العمال البريطاني دان جارفيس على الموضوع بقوله إن “هذا التقرير من مؤسسة هنري جاكسون يسلط الضوء على الروابط المقلقة للغاية بين السعودية وتمويل التطرف في المملكة المتحدة” وطالب الحكومة البريطانية بمباشرة التحقيق الفوري.
وإننا إذ نقتطع جزئية من مقررات الدول الأربع، كما وردت بتصريح وزير الخارجية المصري سامح شكري، الذي أكَّد على “ضرورة الالتزام بمكافحة الإرهاب وإيقاف كافة خطابات الكراهية، كذلك التزام قطر باتفاق الرياض للعام 2014″، فإننا نرثي للحال التي آلت إليها أوضاع الدولة العربية الكبرى مصر، التي تتجاهل ما فعله ويفعله علماء السعودية وعلى رأسهم المفتي عبد العزيز آل الشيخ بالعرب والمسلمين، من خلال أشنع حملة تكفير وتحريض في خطابات الكراهية، على هدر الدمّ والتهجير والتنكيل وهدم المساجد والكنائس والأضرحة وسائر معالم الحضارة، ونحن نلوم مصر دون سواها من دول المقاطعة الأربع، لأن للإمارات حساباتها ومصالحها مع آل سعود، وللبحرين تبعيتها الذليلة للسيف السعودي الذي تحتاجه لقمع شعبها وحماية نظامها المارق، وعلى مصر أن تتحمَّل هفوة التاريخ، عندما تُحارب إرهاب “الإخوان المسلمين” المحسوبين على قطر، بالسيف الوهابي الذي هو مدرسة للإرهاب العالمي.
ومهما كانت العقوبات الإضافية على قطر، نتيجة رفضها ما تعتبره مساساً بسيادتها، فإن أي عمل عسكري سعودي عليها أمرٌ ممنوع إقليمياً، وأي حصار جوي أو بحري لن يُثني إيران عن إمدادها بالمواد الغذائية والاستهلاكية الأخرى ، والأولى بآل سعود ترتيب بيتهم الداخلي وضبط صراعات أجنحتهم العائلية، لأنهم قادمون على عصر الأفُول بوصول محمد بن سلمان الى العرش، ووجود محمد بن نايف تحت الإقامة الجبرية، وحرب تغريدات غير مسبوقة بين السعوديين من أتباع الطرفين، وتهديدات متبادلة بين جدران القصور، وإذا كان محمد بن سلمان هو الحفيد الأول الذي اشترى العرش بـ 450 مليار دولار من ترامب، فهناك 1500 حفيد وإبن حفيد من آل عبد العزيز باتوا قنابل موقوتة تحت عرشٍ بدأ بالانهيار.