السياسي وأستاذ الفلسفة بجامعة عدن الدكتور سامي عطا في حوار صحفي: بيان الزبيدي حاول تطمين السعودية والجنوب بات ميداناً لتصفية حسابات إقليمية
ثورةُ 21 سبتمبر وضعت سيادةَ الدولة عنوانَ المرحلة الرئيسي وإصلاحَ منظومة الحكم بمعزل عن الهيمنة السعوديّة
الاحتلالُ يؤمّن وجوده في الجنوب عبر شبكة سجون التعذيب السرّية الإماراتية
التخبط داخل صفوف المرتزقة يرجع لتخبط صفوف دول تحالف العدوان والأجندات المتعارضة
بيانُ الزبيدي حاول تطمينَ السعوديّة لكن ليس هناك دولةٌ تنشأ بالاستجداء أَوْ تستقيم وتستمر بالتسوّل
الجنوبُ بات ميداناً لتصفية حسابات إقليمية وصراع سعوديّ إمَارَاتي مع قطر بأَدَوَات محلية
متابعات | صدى المسيرة | الحوار / زكريا الشرعبي
تشهَدُ المحافظاتُ الجنوبيّة لليمن والواقعة تحت الاحتلال واقعاً مأساوياً يسعى من خلاله الأخير إلى تمرير مُخَطّطه بتقسيم اليمن إلى عصبيات متناحرة، وتفتيت النسيج الاجْتمَاعي اليمني في سبيل تقسيم اليمن، يأتي هذا باستئجار أَدَوَات محلية لا هَمَّ لها غير كسب الأَمْـوَال والسباق نحو الذل والعبودية على حساب الوطن، والنسيج الاجْتمَاعي والمحلي.
وفيما يبدو أنه صراعٌ بين هذه الأَدَوَات فإنه في الحقيقة ليس صراعاً من أجل مبادئ أَوْ أَهْدَافٍ سامية، ولكنه صراع على الارتزاق حصرياً بالوطن وأبنائه.
ورغم أنه لا يمكن لمجاميع قليلة أَوْ أحزاب ومكونات سياسية ارتضت الذلَّ وساومت في ما يعتبر التأريخ المساومة فيه خيانةً عظمى، أن تمثِّلَ المحافظات الجنوبيّة، إلا أن العدوانَ سعى إلى إظهارها كذلك في مقابل إخفاء الصوت الجنوبيّ الحقيقي الوازن المناهض للعدوان والاحتلال، وثقافة الارتزاق والتبعية، وهذا ما يؤكد عليه هذا اللقاء الذي أجرته صحيفة صدى المسيرة مع المثقف والمفكر السياسي البارز والدكتور في قسم الفلسفة بجامعة عدن، الدكتور سامي عطاء.
لنبدأ بالحديث من المتغيرات الأخيرة، ساحتان في محافظة عدن، واحدة مع الشرعية وأُخْرَى معها وضدها في نفس الوقت، بيان عيدروس الزبيدي يؤكد فيه مراراً على سعي الجنوب للنضال من أجل دولته المستقلة، وفي نفس الوقت ضمن النظام الفيدرالي!، قبل ذلك الزبيدي يتهم حكومة بن دغر بالإرْهَاب، بن دغر يهدد “إما هادي أَوْ عبدالملك”، متناقضات كثيرة ليس على مستوى الأحداث فقط بل حتى على مستوى الخطابات والبيانات الصادرة في المحافظات الجنوبيّة.. ما هي قراءتك للمشهد بشكل عام؟ وبماذا يمكن توصيف ما يحدث في الجنوب؟
شكراً لكم على هذه الاستضافة، وأشكر من خلالكم هيئةَ تحرير صحيفة صدى المسيرة.
وبالنظر إلى سؤالك فإن التخبط في المشهد الجنوبيّ يَرجِعُ إلى ضبابية الرؤية -إن جاز لنا اعتبارُها رؤيةً مستقلةً-، هذا من ناحية، ومن ناحية أُخْرَى عدم القُدرة على فهم أَسْبَاب ومعضلات البلد، حيث ذهبت معظم الفعاليات السياسية إلى شخصنة المعضلات وشيطنة مجموعة من الناس والتجديد الجيني للخيرين كما للأشرار، وعلى قاعدة “نحن الخير المطلق وغيرنا شر مطلق”، الجنوب بيئة الأخيار والشمال بيئة للأشرار، وحتى الشر -إن وجد- في الجنوب فإن مقترفيه يعودون بأصولهم إلى هذا الشمال المَليء بالأشرار.. خطبة الفعالية مثلاً التي قابلت استهجاناً كبيراً واعتبرها العديدون أنها تتعارَضُ مع بيان المجلس الانتقالي “البيان البائس”، عند محاولة كثيرين للتبرير والتنصل ذهب إلى البحث والتنقيب في جينات وسلالة الخطيب، وأرجعوا أصولها إلى الشمال موطن الأشرار بطبعهم وطباعهم.
وهذا التخبط داخل صفوف مناصري العدوان يرجع أيضاً إلى تخبط داخل صفوف دول تحالف العدوان والأجندات المتعارضة، ويكشف زيف كُلّ أَهْدَاف هذا العدوان -أَهْدَاف تبرير عدوانهم-، فيما يجري هندسة شرعية بديلة، شرعية صنعها الاحتلال الإمَارَاتي الوكيل الحصري للمصالح البريطانية في المنطقة، ويمكنك أن تلاحظَ أن معظمَ عناصر بنية “الشرعية” ارتبطت بمصالح قديمة مع بريطانيا، وتدين بالولاء لهَا.
أما بالنسبة للفيدرالية التي قصدها الزبيدي، فإنها أثارت التباساً عند الكثيرين، البعض اعتبرها إقراراً بفدرالية هادي والسعوديّة من بعده -فيدرالية الستة الأقاليم -، إنما في اعتقادي أراد أن يطمئن السعوديّة بفدرالية جنوبيّة تكون حضرموت فيدرالية في إطار الدولة الفيدرالية الجنوبيّة “المستقلة”. إنها محاولة استجداء بالإرضاء.
وعلى كُلٍّ لا دولة تنشأ بالاستجداء ولا دولة تستقيم وتستمر بالتسول. والطريق إلى الدولة يمر عبر الإرادات المستقلة التي تحقق السيادة. وكل القوى التي يجري هندستها وإكسابها الشرعية لتتصدر المشهد السياسي في الجنوب يستحيلُ أن تقيمَ دولة.
هل الإمَارَاتُ هي اللاعبُ الوحيدُ في الجنوب اليوم أم أن هناك أطْرَافاً أُخْرَى؟ وما هي المصالح التي يسعى إليها كُلّ طرف؟
الاحتلالُ الإمَارَاتيُّ لاعبٌ رئيسي في الجنوب، وهناك لاعبون آخرون باتوا هامشيين، لكن يمكن القول إن الإمَارَات تتقاطع مصالحها مع بعض اللاعبين وتتعارض مع بعضهم الآخر، ولقد أفرزت أزمة تحالف دول العدوان طبيعة هذه التقاطعات والاختلافات.
وإذا وضعت كُلّ أحداث اليمن منذ 11 فبراير تحت المجهر، سترى تغييراً في صورة اليمن قبل هذا التأريخ، فلقد بات واضحاً أن شرعيةَ حُكم جرى هندستها سعوديّاً منذ اغتيال الشهيد إبراهيم الحمدي في 11 أكتوبر 1977م وأخذ نفوذ المملكة يتعاظم حتى بلغ هذا النفوذ أوجه، أفضى إلى رجس الخراب بكل ما يعنيه الخراب من معنىً، بيد أن الأحداثَ بعد 11فبراير كلها تؤكد أن نفوذ المملكة واستفرادها أخذ يتضاءَلُ ويضعف في مقابل نفوذ قطر الذي أخذ يتسع ويكبر، هذا الأمر أفضى في نهاية المطاف إلى تقويض شرعية حكم أرادت المملكة من خلال مبادرتها إدخالَه غرفة الإنعاش على حساب تطلعات الناس في نظام حُكم يلبي طموحاتهم وآمالهم. وعليه في 21 سبتمبر سقطت هذه الصورة الشائهة للوضع وبات من الضروري إحداث قطيعة معها. وصارت قضية سيادة الدولة عنوانَ المرحلة الرئيسي باعتبارها حجر الزاوية لإصلاح منظومة الحكم.
الحديث السائد حول احتمالات تفجر الصراع بين المجلس الجنوبيّ وحكومة هادي.. لكن ألا ينذر استحواذ المجلس الجنوبيّ على تمثيل الجنوب بصراع جنوبيّ جنوبيّ؟
في اعتقادي أن التوصيف الصحيح هو أن الصراع سيكون إمَارَاتياً سعوديّاً من جهة وقطري من الجهة المقابلة بأَدَوَات محلية، بات الجنوب ميدان تصفية حسابات إقْليْمية، من مصلحة قطر مثلاً أن يظل الجنوب بؤرة توتر وتصفية حسابها مع خصومها حتى لا تقتربَ النيرانُ إليها مباشرةً، عدم استقرَار الجنوب يعطي قطر أماناً أكثر؛ لأن خصومها من باب السياسة يستحيل تفكيرهم في توسيع دائرة نيرانهم…
في كلمتك بمؤتمر حكماء اليمن قلت إن الجنوبَ تحوَّل إلى حاضنة للفكر الإرْهَابي وصار المجتمع رهينةَ هذه القوى وتمارس سلطتَها عبر سيطرتها على المساجد وترهيب السكان، وأن عدن رهينة فوضى الجماعات والمليشيات الإرْهَابية المنفلتة، ومؤخراً تم إعدام شابين واختطاف ثلاثة آخرين؟
نعم وهذا الذي يحدث والفكر الإرْهَابي يجري تنميته ومساندته من قوى الاحتلال الإمَارَاتي، وذلك من أجل تحقيق أَهْدَاف سياسية عديدة، من ناحية تدمير قوى المجتمع البشرية، ومن ناحية أُخْرَى توفير ذريعة قمع أية حركة مقاومة تحت ذريعة مكافحة الإرْهَاب.
– ما هي الأَسْبَاب التي أدت إلى هذا الوضع، وكيف يمكن للجنوب أن يخرج من هذه المأساة؟
الأَسْبَاب عديدة يمكن تلخيصها في التخلف الاجْتمَاعي والجهل والاستعمار بشكلَيه القديم والجديد، ووجودنا في محيط جيوسياسي أنشأ فيها الاستعمارُ دولاً وظيفية تابعة وتنفذ سياساته، وبالمختصر إنها لعنة وجودنا في محيط جيوسياسي ثري وتابع.
يجرى الحديث مؤخراً عن معتقلات سرية تديرُها الإمَارَات بمشاركة واشنطن في الجنوب، وأن هناك أكثرَ من ألفَي مواطن مخفيون قسرياً، لماذا تلجأ الإمَارَات إلى إخفاء ألفي مواطن وإنشاء سجون ومعتقلات سرية؟
هكذا يسلك الاحتلال ليؤمّنَ وجودَه، وهل رأيت غازياً يغزو بالزهور والعطور، إنها وسيلة بث الرعب وزرع الخوف؛ من أجل شل الإرادات والحيلولة دون ظهور أية حركة مقاومة.
تشدد كَثيراً في مواقفك وكتاباتك على ضرورة أن يستعيد البلد سيادته قبل الشروع في أي شيء آخر، لماذا هذه الأولوية للسيادة؟
السيادة شرطٌ رئيسي لوجود الدولة، ناهيك عن نموها وتطورها بصورة سليمة، ويستحيل أن تسمي الكيان التابع الخاضع دولةً، كلما ضعف مركز الدولة الاقتصادي صارت عُرضةً للتدخلات الخارجية خصوصاً إذا كانت لها مقومات اقتصادية واعدة أَوْ موقع جيوساسي مهم، ولذلك السيادة ضرورة وجود للدولة كي تحميَ وجود الناس فيها ومستقبلهم.
بعد أكثرَ من عامين من العدوان، هل نستطيع أن نقول إن اليمن بدأ يستعيد هذه السيادة، وأن العدوان فشل في مُخَطّطاته؟
يمكن القول إن البلد يسير بهذا الاتجاه، وهناك تصميمٌ، وأظن أن أي تفريط بهذا المطلب سيكون خيانة للتضحيات التي قدمها الشعب وللشهداء الذين سقطوا على درب هذا المطلب.
برّر الكثيرُ من المحسوبين على الثقافة والفكر اليساري والقومي، العدوانَ على اليمن رغم وضوح أَهْدَافه ومشاريعه، ما تفسيرك لهذه الحالة؟
أظن أن سببَه يعودُ إلى كثرة استقرَار هذه النخب في الهزائم؛ ولذلك ذهبت في لحظة يأس وقلة حيلة إلى عقد صفقاتها مع هذه القوى المحلية المرتبطة بالاستعمار الجديد؛ من أجل تحقيق مكاسبَ تحت وَهْمِ أن الاستعمار يكسب لا محالة، وصارت الأفكارُ النيوليبرالية دليلها العملي وبرنامجها لخَلاصها الفردي، ولذا القيادات والنخب المهزومة لا يمكن أن تؤتمَنَ على مستقبل البلد وناسه.
كذلك يسعى البعض إلى فصل مواجهة العدوان عن مواجهة مرتزقته في الداخل ويدعو الجيش واللجان الشعبية إلى إيقاف المواجهة مع هؤلاء المرتزقة؟
من يقول ذلك يخدُمُ أجندةَ العدوان، مجابهةُ العدوان جبهة عريضة ومتصلة لا يمكن فصْلُ جانب عن جانب، خُذ مثلاً الفسادُ يستحيلُ السكوتُ عنه في ظل حصار اقتصادي وَموظفين بلا مرتبات، الفاسد يولد غبناً في وضع كهذا، وبالتالي يُفَتِّتُ الجبهة الداخلية؛ ولذلك ينبغي التعاطي مع قضايا كهذه إذا هناك أدلةُ ووثائقُ.