هذه أسباب مماطلة واشنطن في الأزمة الخليجية!!
الإدارة الأميركية التي توزّع بيانات الدعم لجهود أمير الكويت الحميدة، تتعمّد أن تُظهر الأزمة الخليجية مشكلة داخلية بين حلفاء لا تتدخل واشنطن في شؤونهم الخاصة، لكنها في حقيقة الأمر ترى الأزمة فرصة مؤاتية لاستنزاف الطرفين.
هذا الرد وصفه اجتماع القاهرة بأنه ردٌ سلبي يدلّ “على تهاون وعدم جدّية التعاطي مع جذور المشكلة”. فالرئيس الأميركي طالب بتفاوض “بشكل بنّاء”، بينما طالب وزير خارجيته ريكس تيلرسون بوقف التصعيد واتصل بأمير الكويت صباح الأحمد الجابر الصباح مجدداً دعم واشنطن لمساعي الكويت في حل الأزمة.
اللافت أن وزراء الخارجية الذين تناوبوا على تعداد الاتهامات الموجهة ضد قطر، لم يذكروا شيئاً بشأن الخطوات التي ستلي رد الدوحة السلبي. ولم يرشح عن اجتماع مدراء الاستخبارات الموازي لاجتماع وزراء الخارجية ما يفيد بجدول أعمال المرحلة المقبلة. فما تعهّد به الوزراء هو ما يسمح به القانون الدولي بحسب البيان الختامي. وفي المقابل يعِد وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، “بألاّ تمتثل قطر لأي مطلب مخالف للقانون الدولي”.
ولا ريب أن مكاتب المحاماة الدولية في جنيف وأوروبا وأميركا، تنكّب على دراسة تحركات قانونية وعلى تشكيل تكتلات ضغط لمصلحة هذا الطرف أو ذاك مقابل أرباح مجزية. لكن “جذور الأزمة” ليست خلافاً على تفسير القانون الدولي، وما يأخذه الطرفان على هذا المحمل يشير إلى أن الأزمة ستكون طويلة بحسب تعبير وزير الدولة للشؤون الخارجية أنور قرقاش الذي يعتقد بأن قطر أمام خيارين هما نبذ الإرهاب أو العزلة. وقد يكون في ظنّه أن قطر سترضح للمطالب بطريقة تحفظ ماء الوجه، وهو ما عبّر عنه أحد الكتّاب السعوديين من الدائرة الضيّقة في مقاله بعنوان “الدوحة ستتنازل في الظلام”.
ولا ريب أن هذا التفاؤل المفرط بانصياع قطر للمطالب التي وصفها الرئيس التركي بأنها تعجيزية وغير مقبولة، يستند إلى اعتقاد راسخ بأن الرئيس الأميركي سيقول كلمته الأخيرة بهذا المعنى.
لعلّ ما يوضّح أهم جوانب الأزمة الخليجية، هو ما ورد في البيان الختامي بدعوة قطر إلى “الالتزام بمخرجات القمة العربية – الإسلامية – الأميركية” المعروفة بقمة الرياض. وهي الحدث الذي تحوّلت على إثره العلاقة الأميركية – السعودية من حالها التقليدي إلى حال افتراضي، وتفجّرت الأزمة الخليجية بين طياتها.
فالمسار الذي رسمته القمة يفترض أن تسير الدول الخليجية على سكة رجل واحد باتجاه تسعير العداء لإيران على أساس “مكافحة الإرهاب”، وإرساء “ناتو” عربي مع “إسرائيل” يفتح الباب أمام حل “النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي” فيما يسمى صفقة القرن أو ما شابه.
ويفترض هذا المسار انضواء قطر في حروفه ونقاطه تحت العباءة السعودية – الإماراتية، مدخلاً لانضواء سلطنة عمان والكويت في خطوة تالية.
لكن قطر حليف واشنطن تشبّ عن الطوق بطموحها مع تركيا وحركة الإخوان المسلمين، إلى ما يسميه موقع “بلومبيرغ” المدعوم من الدوحة بخط ثالث إلى جانب محور السعودية ومحور إيران. فشركة “فيرسك مابلكروت” البريطانية المدعومة هي الأخرى من قطر، ترى على لسان أنطوني سكنير أن قطر تبني صرحاً يتجاوز المشيخة التي كانت تنصاع للسعودية حين كانت تهددها بغزو أو انقلاب، وأن ما تطلبه السعودية من قطر هو أن تقوم بأيديها في سجن نفسها بالقفص الذي تحررت منه.
في هذا السياق يدعم ترامب السعودية في المسار السياسي الذي رسمه “للناتو” العربي في الرياض، وفي الوقت نفسه يفضّل احتواء الحليفين لاستنزاف ثرواتهما ولاسيما الصناديق السيادية السائلة، ولاستنزاف السعودية تحديداً لمنعها من تكون القوة الوحيدة في الخليج الفارسي والقوة المؤثرة في المنطقة. ففي جلسة استماع للجنة الشؤون الخارجية الأميركية، سأل النائب الديمقراطي خواكين كاسترو المندوبة الأميركية نيكي هايلي عن هذا التضارب في الموقف الأميركي الذي يبدو “برأسين على الأقل” بحسب وصفه. وأجابت هايلي المقرّبة من ترامب وعائلته بأن الأزمة الخليجية هي فرصة مؤاتية للضغط على الجانبين.
وما يعلنه وزير الخارجية الأميركية بشأن جولته المقبلة على دول الأزمة، قد لا يتعدّى هذا السياق على الرغم من أن تيلرسون يحاول السعي إلى أن تفك واشنطن عقدة الأزمة خشية تدحرج قطر من المراهنة على خط ثالث إلى مزيد من التقاطعات مع محور إيران في سوريا واليمن والعراق. ولا يبدو أن ترامب تخالجه هذه الخشية، كما أن قطر لا تلوّح بورقة هي بمثابة سلاح للدفاع عن النفس.
قاسم عزالدين/ الميادين نت