«الطُرق التي كانت تقود الناس إلى الحدائق والمنتزهات ومنازل الأهل والأحبة في العيد، أصبحت اليوم تنتهي بهم إلى أسوار المقابر». بهذه الكلمات يتلخص واقع العيد لدى اليمنيين، الذين حولت الحرب أفراحهم إلى ذكرى مؤلمة جراء فقدان من كانوا يتقاسمون معهم الفرحة وطقوس المناسبات.
فمع اندلاع الحرب توسعت المقابر بشكل غير مسبوق لكثرة الضحايا الذين سقطوا في النزاع المسلح، فشهدت المقابر في العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات اليمنية خلال أيام عيد الفطر المبارك إقبالاً كبيراً، خصوصاً من قبل ذوي ضحايا الحروب، لزيارة أضرحة أحبابهم وإلقاء التحية على رفاتهم ومعادتهم قبل أولئك الأحياء، رافعين أكفّهم بتلاوة القرآن وقراءة الأذكار.

في مقبرة الشهداء بالعاصمة صنعاء، حمل الجميع باقات من الأسى لأرواح أناس أعزاء يصعب نسيانهم. أكرم طامي، أحد الذين زاروا المقابر بعد العودة من صلاة العيد في صنعاء لقراءة القرآن على ضريح شقيقه الأصغر الذي سقط إثر القصف الجوي لطيران «التحالف» منتصف العام 2015م، يروي في حديثه إلى «العربي»: «كانوا الأقرب، بل أصحاب الحق الأول للزيارة… وضعت كفي على قبر أخي قبل أن أضعها على كف أمي، لأن الأم والوطن شيء واحد، وأخي ضحى بنفسه من أجلهما… لم يعد الوقت وقت حدائق وأفراح، الحرب والعدوان سرقا فرحتنا وأعيادنا، لكننا سنفرح بنصر هذا الوطن».

وفي مدينة تعز التي تشهد حالة حرب واقتتال على مدار الساعة دون توقف منذ ثلاثة أعوام، سقط فيها وفقاً لمنظمة الصحة العالمية أكثر من 1560 قتيلاً حتى أواخر العام 2016، كانت فيها المقابر أكثر ازدحاماً بالزوار في الأيام الأولى للعيد، ففي مقبرة «الشهداء» في المدينة (عصيفرة) حضر الكثير ممن تنبض قلوبهم وتنادي بحياة أولئك الذين غيبتهم الحرب، ليعبروا عن أحزانهم العميقة بالبكاء وبالدموع، و يحاولوا جمع انكساراتهم دون معرفة كم من الوقت يحتاجونه ليتخلصوا من شدة الألم الذي يسكن قلوبهم.

سمية عبده، التي رافقت أسرتها بعد صلاة العيد إلى مقبرة «السعيد» في مدينة تعز لزيارة قبر شقيقها الذي قتل قبل عام إثر المواجهات، تروي في حديثها إلى «العربي»: «نحن لم يمر علينا عيد واحد منذ أكثر من عامين، فلا وجه للعيد ولا للفرح، الحرب سرقت كل فرحتنا ولم تترك لنا سوى الدماء والدمار والقذائف والموت، كلما حاولنا أن نقهر الحزن والألم تقف أمامنا جبال من المآسي التي تتقزم أمامها كل محاولاتنا البائسة لرسم ملامح فرح، فلا يوجد منزل إلا وانتزعت الحرب منه أب أو أم أو أخ أو أخت، فكل بيوتنا عزاء وكل أيامنا أحزان». وتتذكر سمية أنه «في العيد قبل الحرب كانت الحدائق والمتنزهات هي المكان الذي نقضي فيه أوقاتنا خلال أيام العيد، أما الآن فقد دمرت تلك الحدائق وطالها ما طال، فصار المكان الوحيد الذي يؤمه الكثير منا هي المقابر التي صارت حدائق أحزاننا التي لا تنطفئ».
أصعب ثلاث سنوات مرت على حياة اليمنيين، مناسبات يعتد بتواريخها فقط، وبشعائر دينية هي ما يتبقى من بلد طحنته الحرب، وسر «الحزن المرتسم على ملامح الحياة»، كما تصف الناشطة وفاء سليم، هو في أنه «لكل منا فقيد لا يحلو العيد إلا به ولم نذق طعم العيد إلا به، صعدت روحه للسماء بسبب ما خلفته الحرب من قتل ودمار أو كوليرا أنهكت جسمه ففارق الحياة، هذه المرة عاد الكثير من صلاة العيد وترتسم على وجوههم ابتسامة باهتة، وقبل أن ألقى الجميع السلام بينهم اصطحب كلاً منهم عائلته لنزهة من نوع آخر، نزهة  إلى المقابر حيث يسكن الأحباب».
10 آلاف ضحية
خلّفت الحرب شريحة كبيرة من الأرامل واليتامى، وجراحاً يصعب اندمالها، فرغم مرور مدة طويلة على الحرب في اليمن، تبقى الحصيلة الحقيقية للمعارك، التي لم تتوقف، غامضة، مع تكتم أطراف الحرب على خسائرهم البشرية باعتبارها من «الأسرار الحربية»، حرصاً على الظهور في موقع المنتصر. وعلى الرغم من الإعلانات اليومية للعشرات من ضحايا الحرب، فإن الأرقام لدى المنظمات الدولية تجاوزت 10 آلاف قتيل في جميع المحافظات التي شهدت مواجهات ميدانية أو غارات جوية، أغلبهم من المدنيين. وأوضحت وزارة حقوق الانسان التابعة لحكومة عبد ربه منصور هادي، في تقرير لها أمام مجلس حقوق الإنسان بجنيف، أنه قد قتل 10 آلاف و811 شخصاً، وأصيب 37 ألفاً و888 آخرون، خلال عامين من الحرب اليمنية.