لا يكاد يمر يوم في مدينة تعز إلا وتتضح فيه معالم «المافيا» أكثر وأكثر، من خلال مشاهد عبثية وفاضحة، تبدو أكثر بشاعة من بشاعة الحرب التي أنتجت علاقة «غير شرعية» بين «المافيا» وبعض فصائل «المقاومة»، فكان السلب والنهب وفرض الأتاوات أبرز نتائج تلك العلاقة الرخيصة.
وجراء ذلك، أُجبر الكثير من ملاك المحلات التجارية وسط المدينة على إغلاق مصالحهم بشكل شبه كامل، فيما يكرر المتبقون مطالبتهم «الشرعية» بوضع حد لعمليات الجباية وفرض الأتاوات، من قبل بعض المجاميع المسلحة التابعة لفصائل «المقاومة الشعبية» دون أي مبرر؛ حيث تلجأ تلك المجاميع إلى استخدام الرصاص الحي لإجبار كل من يرفض الدفع بطريقة عشوائية على القبول، أمام مرأى ومسمع إدارة الأمن والسلطة المحلية، واللتين لا توليان ذلك أي اهتمام، ولم تتخذا أي إجراء لإيقاف هذا العبث، ما أدى إلى استفحال الظاهرة وتناميها بشكل مرعب، خصوصاً أيام العيد، في ظل انفلات أمني، وفراغ إداري غير مسبوق.
يروي أحد موظفي أكبر المراكز التجارية في المدينة، في حديث إلى «العربي»، أن «طقمين على متنيهما عدد من المسلحين داهموا المركز قبل صلاة المغرب ليلة عيد الفطر المبارك، وطلبوا منا إغلاق المركز فوراً ما لم ندفع لهم مبلغ مليون ريال كواجبات، مع العلم أننا قد دفعنا أكثر من مرة ضرائب وواجبات لجماعات مسلحة من المقاومة جاءت قبلهم، وبعد أخذ ورد تم تخفيض المبلغ إلى 200 ألف ريال». ويتابع أن «العمل في ظل هذا الوضع لم يعد مخارجاً، وإغلاق المركز هو السبيل الوحيد لتجنب الخسارة». ويضيف أن «المواطن هو من يدفع الثمن، فكلما زاد خرج الجبايات التعسفية كلما زادت أسعار البضاعة». 

محمد علي فارع، صاحب بسطة ملابس وسط شارع جمال، يروي، هو الآخر، لـ«العربي»، كيف أن «مسلحي فصائل المقاومة الشعبية يفرضون علينا، كل يوم تقريباً، ما لا يقل عن 5000 ريال كواجبات بدون إسناد ولا فواتير من الضرائب، وتحت تهديد السلاح ندفع لهم». ويؤكد أن «كل فصيل من المقاومة يدعي أنه هو المخول بجمع الواجبات والضرائب، وكلهم لصوص، ونحن الضحية».
ليست تلك النماذج إلا صورة مصغرة لما يعانيه تجار تعز من ممارسات يومية يتعرضون خلالها لجبايات وسلب ونهب وإشكاليات مختلفة.
وفي سياق محاولة «العربي» البحث والتحري عن جوانب المشكلة وخلفياتها وأثرها على المواطنين، توجهنا بالسؤال إلى أحد مدراء أقسام الشرطة، الذي فضل عدم ذكر اسمه، فوصف إدارة الأمن التي يعمل فيها بـ«العاجزة عن أداء مهامها في ضبط الأمن والسيطرة على مسلحي المقاومة في تعز، فضلاً عن معاقبتهم»، معللاً ذلك بـ«الانقسامات التي تشهدها فصائل المقاومة، وتعمد الشرعية أن يظل الإنفلات الأمني في تعز هو سيد المواقف، إضافة إلى الفراغ الإداري الحاصل في إدارة الأمن بعد وفاة مدير الأمن محمود المغبشي، والذي لم يتم تعيين خلف له حتى اليوم». ويشير إلى أن «المقاومة الشعبية، كذلك، تتعمد أن تظل أجهزة الدولة مفرغة من مهامها، ليتسنى لها جباية الأموال خارج القانون، وبدون أي رقابة».
وكانت إدارة شرطة محافظة تعز اعترفت، في تصريح صحافي، سابق بوقوع ما يزيد عن 700 جريمة قتل، ونهب، وتقطع، وسرقة. ويكشف مسؤول أمني في تعز، في حديث إلى «العربي»، أن «قرابة 450 جريمة سرقة وجبايات خارج القانون سجلت ضد مجهول في الأحياء الواقعة تحت سيطرة المقاومة في مدينة تعز، منذ النصف الأخير من عام 2016م».
وعن ظاهرة الإنقسامات السياسية وما لحقها من انقسامات مسلحة، وأثر ذلك على أمن المدينة وأداء أجهزتها الأمنية، يقول الناشط الشبابي، يوسف نصر، في حديث إلى «العربي»: «لقد أصبحت الجباية والسلب والنهب وبقوة السلاح أحياناً ظاهرة يومية في المدينة، وهذا ينذر بتفجر الوضع إذا استمرت هذه الأعمال الإستفزازية وغير الإنسانية، ويبشر بقادم أسوأ للوضع الأمني في تعز». ويستطرد نصر: «إذا كانت إدارة الأمن على نفس المسرح الذي يمارس فيه المسلحون لعبتهم ولم تحرك ساكناً، فلا أعتقد أن أحداً سيقوم بمهامها باتخاذ أي إجراءات فعلية».
ويلفت إلى أن «مندوبي الأسواق الفعليين الذين حددتهم فصائل المقاومة، كلاً حسب الشوارع الواقعة تحت سيطرته، هم من يديرون تلك الأعمال، وبشكل منتظم ومتقاسم، حيث أن هناك متنفذين في المقاومة كان لهم الدور الرئيس في تعطيل عملية تفعيل الدور الأمني لإدارة الأمن بالمدينة». ويوضح أن «العجز في أداء إدارة الأمن في تعز يرجع إلى أكثر من سبب، أهمها نقص الإمكانيات، وتورط بعض قادة فصائل المقاومة في الأمر، وقد حدث من قبل أن تورط عساكر يتبعون إدارة الأمن، وبعض أفراد فصائل المقاومة في عمليات السلب والنهب والتقطعات والجبايات خارج القانون».