الأذان الصنعاني .. والأذان الوافد
متابعات | كتابات | صلاح الشامي
في زيارة لأحد الأصدقاء صدح صوت الأذان من المسجد القريب وتبعه أذان من المسجد الذي يليه، ولكن ليس بصوت وتراث المدينة صنعاء، ولا حتى بصوت يمني، ما جعلني أستغرب تغير بعض أنماط الحياة ومتعلقاتها في بعض أحياء المدينة الواحدة، وأتنبه إلى خطورة مثل هذه الظاهرة، فانتشار أنماط الأداء المغايرة للتراث الديني اليمني يضيق الخناق على هذا النوع منه .. ناهيك عن التصنع في الأداء الصوتي المبالِغ في العذوبة، والمدود الطويلة التي تتنوع فيها التنغيمات والمقامات الصوتية المتباينة، وكأنك تستمع إلى موال وليس إلى أذانٍ له قدسيته، بل ويؤديه المؤذن بنبرة حزينة ورقيقة شجية، وكأن المؤذن يتعمد استعراض قدراته الصوتية ومواهبه الأدائية ..
ليست المشكلة في الأداء نفسه – وإن كان قد خرج عن الغرض منه بلفت أذن السامع ومشاعره إلى عذوبته – المشكلة في أنه يؤدَّى بطريقة توحي بالاستكانة والضعف، بنبرته الحزينة.
- اليمن مهد العروبة، وبلد الإيمان والحكمة والفقه، فلماذا نرضى بالدخيل من الثقافات القولية والأدائية وغيرها …، ونتخلى بيسر وسهولة عن موروثنا الثقافي الحضاري الكبير، والذي هو شامل لكل مفردات الحياة، من دين وأدب وثقافة وفلكلور وتراث، ومن ضمن هذا التراث، الأذان الصنعاني ..
الأذان الصنعاني يوحي للسامع بأهمية الصلاة نفسها، فهو يؤدى بطريقة ليست بالبطيئة المملة ولا السريعة المخلة، وبصوت رجولي، تعزز قوة أدائه من ثقتك بقوة هذا الدين، ويدفعك ببساطته المجدة إلى استشعار أهمية المسارعة إلى الصلاة، وهو الأذان الذي تعشقه الأرواح قبل الآذان..
ولعل اقتراب تسميته ( الأذان ) لاقترابه من ( الآذان ) ” جمع أذن “، لارتباطه بحاسة السمع، أهم مصادر العقل وأدوات المعرفة والهداية على الإطلاق، ما يحتم استشعار أهمية العناية به، والاهتمام بالأداءات التي من شأنها تعزيز ثقة المؤمن بدينه، وبنفسه، إذ أن الأداءات الدخيلة توحي بالوهن، فنحن نسمع الأذان ونكاد نبكي، إذ نتصور أننا أمة ذليلة خانعة وغبية ..
لا يستهِنْ أحدُنا بهذا الموضوع، فأعداؤنا يعلمون أهميته، ويعملون على تصدير مخرجاتهم التخريبية، في قوالبنا البنائية الجاهزة، ومقابل سطحيتنا، يتعمقون هم في غزونا من الداخل، في أداءاتنا للأذان وللتلاوة ولكيفية الوقوف في الصلاة، وكيفية لبسنا وأكلنا وشربنا ومخاطباتنا، وعلاقاتنا الشخصية بعضنا ببعض، وكافة أنماط حياتنا …، يعملون ذلك لا ليعمموا ما لديهم ببراءة، بل ليمسخوا ما لدينا، وينسونا هويتنا، بعد أن جعلونا ننسى ألواناً من تراثنا وثقافتنا ..
أخيراً لماذا نسلم أرواحنا لمن ليس لديهم روح، بل ويسعون إلى طمس هذه الروح ؟!!..
المساجد بيوت الله، فإذا سُخِّرتْ للدعوة لغير الله، وجب الوقوف تجاه ذلك بحزم ومسؤولية، وإلا صَعُبَ علينا إعادة أجيال إلى الصراط المستقيم، وصرنا مشاركين في هذا الجرم بحق الأمة بصمتنا وتهاوننا ..