الأسبابُ الحقيقيةُ وراءَ أزمة قطر
“من الصعب ألا نرى الأمورَ تزدادُ سوءا”، هذا هو التحذير الصارخ الذي وجهه مسؤول كبير من الشرق الأوسط أرسله زعيم بلاده لمحاولة التوسط بين قطر والسعودية الأسبوع الماضي، فبعد زيارة الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في الدوحة، ونائب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، عاد الرجل يحمل كثيرا من القلق إلى بلده.
ويجب أن يتساءل المرء عن الدوافع الحقيقية وراء التصعيد ضد قطر، ليتضح له أن الأمر مجرد محاولة للإطاحة بأمير قطر، فهناك فرصة للإمارات للانتقام من جارتها، وهناك لعب من قبل نائب ولي العهد السعودي للفوز بالمُلك.
محاولة الانقلاب
كان ما يقرب من منتصف الليل يوم الأربعاء الموافق 24 مايو، عندما نشرت وكالة أنباء الدولة القطرية تصريحات تدعي أن زعيم البلاد انتقد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وأعرب عن تأييده لإيران، بينما أعلن في الوقت نفسه عن حرصه على العمل مع إسرائيل وتقديم دعم غير مشروط لحماس.
ورغم أن السلطات القطرية قالت إن الموقع قد تعرض للاختراق وأن الأمير لم يصدر أي تصريحات في ذلك اليوم، إلا أن ذلك لم يوقف القنوات الإخبارية التي تتخذ من الإمارات والسعودية مقرا لها، مثل قناة العربية وسكاي نيوز العربية من بث التغطية المتتالية لهذه التصريحات الكاذبة. وادعوا أن التصريحات كانت حقيقية، وظهر المحللين لانتقاد القيادة القطرية ودعوة الشعب للانتفاض ضد زعيمهم.
بحثاً عن الانتقام
وعلى الرغم من المحاولة الفاشلة لحشد المعارضة ضد الشيخ تميم، استمرت حرب التضليل. ويوما بعد يوم، تم نشر تقارير ومقالات إخبارية تتهم قطر برعاية الإرهاب وزعزعة استقرار المنطقة من القاهرة والرياض وأبو ظبي.
والخيط المشترك بين تلك العواصم هو موقفها مما يسمى الربيع العربي. فبعد أن خرج الملايين من الناس إلى الشوارع في عام 2011 مطالبين بالحرية والديمقراطية، بدأت المنطقة ترى الانقسامات عبر خطوط جديدة بين أولئك الذين دعموا الانتفاضات في تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن، وأولئك الذين عارضوا ذلك.
وكانت السعودية ومصر والإمارات، بالطبع، من بين القوى التي عملت بلا كلل لقمع الثورات. إلا أن قطر اتخذت قرارا بدعم جماعات مثل الإخوان المسلمين الذين كانوا من القوى الكبرى في الربيع العربي.
وبالتالي، اعتبرت أبو ظبي أن هذا خيانة، ليس فقط لأن الدوحة كانت تتبنى سياسة خارجية مختلفة عن تلك التي وافق عليها جميع الأعضاء الآخرين في مجلس التعاون، ولكن أيضا لأن دولة الإمارات تنظر إلى الإخوان المسلمين، فضلا عن الحركات السياسية الأخرى في المنطقة كتهديدات وجيهة لنظامها السياسي غير الديمقراطي والسلطي.
عندما أجبر حسني مبارك على التنحي فيبدو أن أكثر الدول العربية اكتظاظا بالسكان كانت في طريقها إلى الديمقراطية، وكان هناك قلق ظهر في دولة الإمارات.
لم يخافوا فقط من تأثير الدومينو الذي وصلت إليه الثورات، لكنهم كانوا غاضبين من أن مبارك، أقرب حليف لأبائهم المؤسسين (الشيخ زايد)، أجبر على ترك السلطة، خاصة وأنه كان ذلك بمساعدة قطر. ولم يسر الإماراتيون غضبهم تجاه جيرانهم، وتعهدوا بالانتقام.
السعي ليصبح ملكاً
ولكي نفهم لماذا يتبع السعوديون جدول الأعمال المناهض لقطر بنفس القوة التي يواجهها المواطنون، يجب أن يفهم المرء الصراع على السلطة الذي يجري حاليا داخل المملكة الغنية بالنفط، فاليوم يحكم السعودية ملك يبلغ من العمر 81 عاما وهو واحد من الأبناء الآخرين المتبقين من الأب المؤسس للبلاد. والاعتقاد المشترك هو أنه لن يكون موجودا لفترة طويلة جدا ويقف في الانتظار رجلين هما ابن أخيه محمد بن نايف، وابنه محمد بن سلمان.
وابن سلمان وزيرا للدفاع في المملكة يبلغ من العمر 31 عاما، فهو الرجل الذي تسبب في الحرب على اليمن التي دمرت كل شيء البلاد، وهو شخص وفقا لرجل دولة سابق على استعداد لبيع والده ليصبح ملكا.
إنه اعتقاد شائع بأنه لكي يكون ملكا في السعودية، يجب على المرء أن يضمن بركات ثلاثة من أصحاب المصلحة الرئيسيين: آل سعود، والمؤسسة الدينية والولايات المتحدة. والحقيقة هي إذا ضمنت واشنطن فالاثنين الآخرين سيأتيان تباعاً.
وهذا هو المكان الذي تجد فيه قطر نفسها في خط النار مرة أخرى. وقد وعدت دولة الإمارات، التي كانت على علاقة عامة بجماعات الضغط على مدى عدة سنوات (كما كشفت التسريبات من حساب البريد الإلكتروني لسفيرها يوسف العتيبة) بأن تقدم موافقة واشنطن على تولي محمد بن سلمان المُلك إذا انضم إليها في الحرب ضد قطر.
* موقع ميدل إيست آي