أكثر من عقدين من الزمن مرّت على تحقيق الوحدة اليمنية في الـ 22 من مايو عام 1990. 27 عاماً شهدت اليمن خلالها الكثير من الأحداث الدامية ودورات صراع مستمرة، ولا مؤشر يشي حتى اليوم بقرب توقفها. آلاف القتلى والجرحى سقطوا جراء استمرار النزاعات اليمنية الداخلية التي لا تفتأ تهدأ إلا وتعاود الدوران في بلد لم يعد فيه ما يستحق الإقتتال. وما إن تسكت أصوات المدافع ويتبدد أزيز الطائرات حتى يعاود اليمنيون اختلاق المشكلات وصناعة التوتّرات وابتكار خيارات الخلاف ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.
طبيعة الحروب والأزمات في أي منطقة في العالم، إنتهاؤها مرهون بانتفاء أسبابها، إلا في اليمن؛ فالصراعات تتناسل وتتوسّع دائرتها للجوء القائمين على السلطة في اليمن على حلّها بالمال والإغراءات، وما قضيّة الجنوب إلا أنموذج لذلك. وفيما أقامت قوى الحراك الجنوبي، اليوم، مليونية هي الثانية خلال أقل من شهر، تأييداً للمجلس الانتقالي الجنوبي في مدينة عدن، بحشود كبيرة قدمت من محافظات حضرموت والمهرة وأبين والضالع وشبوة، تستمر الحرب شمالاً بوتيرة متفاوتة على جبهات المخا وصنعاء ومأرب والجوف وصعدة، حاصدة المزيد من القتلى والجرحى؛ حرب تشير غالب معطياتها على الأرض بأنها باقية وتتمدد.
«العربي» سعى الى رصد مواقف وآراء الأطياف اليمنية المختلفة بشأن الوحدة وشكل الدولة ما بعد الحرب ومستقبل البلد على المديين القريب والمتوسّط، وخرج بحصيلة الآراء المتناقضة التالية:
المحامي والناشط الحقوقي، علي النقي، قال إن «الوحدة كانت مشروعاً أكبر من البيض وصالح، ولأنها كذلك فشلت في مهدها وفي سنواتها الأولى، واستبدلها المنتصر بفرض نتائج حرب صيف 94، التي شنها صالح ضد الجنوب، ملغياً بموجبها الشريك الجنوبي وما تلاه بعدها من ممارسات سلبية بحق الجنوب، من بينها تسريح الجيش والأمن الجنوبي، وكذلك الكادر المدني».
يتابع النقي: «ما تحقق كان وراثة الدولة الجديدة باسم الجمهورية اليمنية، ولتصبح الدولة لاحقاً وعاء للفساد ثقافة وممارسة، في ثنائية تكاملية مع الإرهاب، إلى أن تشكل الحراك الجنوبي، ثم ثورة الشباب، إلى حوار موفنبيك الذي أجهضت مخرجاته بالحرب، وحل محلها الدمار والخراب، وتراجعت السلطة الشرعية اليوم عن كل التزامات تجاه حقوق المواطن الذي أصبح إن لم يمت بآلة الحرب، مات بالحر أو المجاعة والأوبئة، كحمى الضنك والكوليرا».

يقرأ النقي المستقبل متشائماً: «من خلال المؤشرات على الأرض، البلد ذاهب نحو المزيد من الفوضى، والخراب والأفغنة أو الصوملة في الانتظار، فالملف اليمني ملف منسي في الأمم المتحدة، لا يرقى لدرجة الملفين الليبي أو السوري. وقد تستمر الحرب سنوات طوال، تتخللها هدن إنسانية وواقع جديد سيفرضه أمراء الحرب المقبلين، وإن ببزات رسمية».
فهمي حسن محروس، ناشط في الحراك الجنوبي، يرى أن «ممارسات الشمال حكومة وشعباً – إلا من رحم الله – بحق الجنوب وأهله، يحصدون اليوم نتائجها عبر عاصفة الحزم، والجزاء من جنس العمل».
الصحافي نشوان العثماني، قال مقتضباً: «الذنب ليس ذنب الوحدة، بل ذنب من دخلها دون فرامل، ومن استغلها دون أي اعتبار للشراكة».
وتبدو المخاطر التي تهدد الوحدة اليمنية وهي تلج عامها السابع والعشرين كبيرة، فبينما تسعى قوى الحراك الجنوبي لفرض واقع فك الارتباط مع الشمال، تسعى العناصر المتشددة بدورها إلى تقوية نفسها وحشد المزيد من الأنصار استعداداً للسيطرة بعد أن تكون الحرب قد أنهكت الجميع.
من جانبه، اعتبر عضو «التجمع اليمني للإصلاح»، أحمد عبد الغفور، أن «الدور السلبي الذي لعبه النظام السابق على مستوى الشمال والجنوب، أعطى أصحاب المشاريع المختلفة فرصة للظهور واستغلال الفراغ الذي حدث، كما هو الحال بالنسبة لتنظيم القاعدة، وجماعة الحوثي، وقوى الحراك الجنوبي المطالبة بالانفصال».
منير حسين، داعية سلفي، يرى أن «خطر الجماعات الإرهابية يأتي كأولوية»، ويضيف: «يبقى تنظيم القاعدة في اليمن شأناً دولياً أكبر من كونه شأناً محليّاً، وربما وجد التنظيم في اليمن ما يساعده على التوسع والإنتشار بسبب الظروف الإقتصادية وحالة الفقر والبطالة التي تنتشر في البلد»، مشيراً إلى أن «الوحدة اليمنية انتهت عملياً، ولم يبق إلا اسمها». ويتابع: «باتت غالبية في الشمال تعتبر أن الفيدرالية من إقليمين هي حل واقعي من شأنه إنهاء حالة اللاسلم التي تعيشها اليمن منذ بداية الوحدة».
العميد علي عبيد، متقاعد من قوام الجيش الجنوبي المسرّح، يقول إن «المشهد في الجنوب بات واضحاً، فالعلم الجنوبي يرتفع فوق جميع الدوائر الرسمية والنقاط العسكرية، ومن يتحدث عن الوحدة فهو يحلم، فليس لها في الجنوب مقام ولا موطئ قدم في القلوب قبل الأرض، ففك الإرتباط تحقق» ويضيف: «دعك مما ينعق به عجزة معاشيق باسم الوحدة، ولو أن واحداً منهم يؤمن بها فأنا اتحداه أن يرفع علم اليمن بداخل سيارته ويخرج لمدة ساعة في شوارع عدن».
ويتابع عبيد: «هذا هو الواقع في الجنوب اليوم، ولن تتمكن أي قوّة في الأرض من فرض أي خيارات لا يرتضيها شعب الجنوب، لا معاشيق ولا التحالف ولا المجتمع الدولي ولا الأمم المتحدة ولا الشمال، وما بعد الحرب ليس كما قبلها، وأيادينا ما زالت على الزناد».