منذ انطلاق الحراك الجنوبي في العام 2007، قدمت قيادته خطاباً لأنصار القضية الجنوبية يرتكز على الاهتمام بمدينة عدن، بحيث تكون رائدة في المنطقة لما تتميز به من موقع جغرافي هام، يؤهل ميناءها ومطارها ليكونا الأكثر نشاطاً على مستوى المنطقة. ولطالما اتهمت تلك القيادات نظام الرئيس السابق، علي عبد الله صالح، بتهميش المدينة وتعطيل مؤسساتها الفاعلة.
ومع تطور الأحداث في اليمن، واندلاع عمليات «التحالف» بقيادة السعودية، ودخول قيادات الحراك الجنوبي المطالبين بعودة دولة الجنوب ضمن «التحالف»، ومن ثم تمكن «المقاومة الجنوبية» من السيطرة على المحافظات الجنوبية في أغسطس من العام 2015، وتقلد قيادات «الحراك» مناصب في السلطة المحلية وفي حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، دخلت تلك القيادات في تحدٍّ مع الشعب في الجنوب لترجمة خطاباتها عملياً، ووعودها المتكررة التي قطعتها للجمهور خلال مسيرة الحراك الجنوبي. إلا أنه، وبعد عامين من السيطرة على الجنوب، ظلت المؤسسات الحيوية في مدينة عدن معطلة. وبرغم الإعلان في مايو من العام الماضي عن عودة الرحلات التجارية إلى مطار عدن الدولي، غير أن الحركة كانت رمزية بمعدل رحلة في الأسبوع، مع توقف متقطع بين الحين والآخر.
ويقول مصدر في مطار عدن، لـ«العربي»: «كنا نظن أن التوقف نتيجة الترميم بسبب أضرار الحرب، ولكن مر عام منذ انطلاق أول رحلة، والحركة لا زالت شبه متوقفة بالمطار». ويرجع المصدر توقف حركة المطار إلى «الازدواجية في إدارته من قبل قوتين: إحداها تتبع لدولة الإمارات والأخرى موالية للمملكة العربية السعودية». وكشفت أحداث فبراير الماضي الانقسام بين القوتين، بعد الإشتباكات التي اندلعت في باحة المطار على خلفية إقالة مسؤول أمن المطار الموالي للإمارات. ومؤخراً، توقف المطار بعد توتر ساده عندما أقدمت قوة أمنية تابعة للإمارات على توقيف العميد مهران القباطي، قائد اللواء الرابع – حماية رئاسية.

ميناء عدن هو الآخر كمؤسسة حيوية لم يستعد عافيته. رغم أهميته كأهم رابع ميناء طبيعي في العالم، انتهى به الحال إلى تسليمه لميليشيا مسلحة يشتبه في انتمائها لتنظيم «القاعدة»، قبل أن تتم السيطرة عليه عسكرياً من قبل قوات تابعة للرئيس عبد ربه منصور هادي. وظلت الحركة فيه خفيفة مقارنة بميناء الحديدة الذي أعلنت حركة «أنصار الله»، وعلى لسان مدير مصلحة الجمارك في صنعاء، يحيى الأسطى، بلوغ الإيرادات فيه ستة مليارات ريال يمني خلال شهرين. ويتساءل مراقبون: كيف يتم توريد المليارات من ميناء تحت الحصار، بينما ميناءا عدن وحضرموت لا يعرف المواطن مذهب إيراداتهما، مع أن وزير النقل، مراد الحالمي، من المحسوبين على الحراك الجنوبي. ورغم تعهد حكومة أحمد عبيد بن دغر عن تخفيض الجمارك بنسبة 50%، إلا أنه لا توجد إحصائية رسمية عن المبالغ المحصلة، ولا عن كمية البواخر الراسية في الميناء.
ويشير رئيس التحالف القبلي في محافظة أبين، الشيخ محمد سكين، في حديث إلى «العربي»، إلى أنه «للأسف، قيادات الحراك الجنوبي التي تحالفت مع الشرعية ومع التحالف العربي انصدمت بعراقيل كبيرة، وتبخرت كل الخطابات الرنانة بجعل عدن دبي ثانية بعد تحريرها من قوات الحوثي، ولا زلنا نتفاءل بتحقيق النجاحات رغم انسداد الأفق».
وبحسب مراقبين، فإن الفشل الذي مُنيت به «الشرعية»، والخيبة التي أصابت قيادات الحراك الجنوبي المتحالفة مع السعودية والإمارات، قد يؤديان إلى إعادة النظر في التحالفات، خصوصاً في ظل موجة الغضب التي تجتاح الشارع الجنوبي على خلفية تردي الأوضاع المعيشية، وعدم توفر أبسط الخدمات الضرورية للمواطن. وتشهد مدينة عدن، تحديداً، تدهوراً كبيراً في خدمة الكهرباء، وانفلاتاً أمنياً كان آخر ضحاياه الناشط في الحراك الجنوبي، أمجد عبد الرحمن، وتعطيلاً لمعظم مؤسسات الدولة، إضافة إلى تجميد النشاط في ميناء المدينة ومطارها.