تزايد مرعِبٌ للانتحار في تعز: من يسمع ناقوس الخطر؟
فرضت الحرب الدائرة في تعز، منذ قرابة عامين، واقعاً معيشياً صعباً، آخر نتائجه تنامي ظاهرة الإنتحار بشكل مرعب. تنام يُسجّل خصوصاً في أوساط الشريحة الأشد فقراً في المدينة، بعد أن تقطعت السبل بأبنائها، وأوصدت أمامهم كل الأبواب، وطال أمد الحرب، ووقف كل منهم عاجزاً أمام أسرته وأطفاله الذين يتضورون جوعاً، ليراود هاجس الإنتحار الكثيرين، يأساً من حياة طغت عليها إقطاعيات تجار الحروب.
محاولة… فنجاة
الشاب صادق خالد حاول الإنتحار قبل أسبوعين. كان مُصمماً على وضع حدّ لحياته التي يقول إنها كانت “أشبه بجحيم بسبب ظروفه المعيشية السيئة وإحساسه بالغبن”. صادق، الذي يبلغ من العمر 31 عاماً، تجرع مادة سامة تسببت بإغمائه، لتنقذه عائلته بأعجوبة في آخر لحظة. يفيد صادق، في حديث إلى “العربي”، بأنه عندما حاول الإنتحار لم يكن يشعر لا بالخوف ولا بالتردد، مشيراً إلى أنه كان يعيش حالة من الإنهيار العصبي لم يكن قادراً على تحمّلها. وكشف أن الدافع وراء محاولته الإنتحار هو “الكره الشديد للمجتمع والظروف المعيشية السيئة والإحساس بأن لا فائدة من الحياة في ظل هذه الحرب”.
الانتحار شنقاً
الشاب رهيب طالب جامعي في كلية الطب بجامعة تعز (سنة أولى صيدلة). يسكن رهيب عبد القوي علي مع ثلاثة من زملائه في دكان بالإيجار في مدينة التربة جنوب تعز. الظروف المعيشية الصعبة والحالة النفسية السيئة التي خلفتها الحرب كانت السبب الرئيس لانتحاره. أشرف الشرعبي، زميل رهيب، يسرد تفاصيل قصة الإنتحار، في حديث إلى “العربي”، قائلاً: “بدأنا نلاحظ تصرفات غريبة، واضطراباً نفسياً وقلقاً عند رهيب، صحيح أن الحرب فرضت واقعاً مريراً على الجميع، لكن رهيب إضافة إلى الحالة النفسية السيئة التي فرضتها الحرب، كان يعاني من ظروف مادية صعبة، ففي أوقات كثيرة كان يتناول وجبة واحدة يومياً، فأبوه بالكاد يوفر لقمة العيش لإخوانه الخمسة، وما فاض لديه أرسله لرهيب”.
ويتابع: “كنا دائماً نحاول أن نخفف عنه قدر استطاعتنا ولكن دون جدوى. أصيب رهيب بمرض البروستات، وازدادت حالته سوءاً. وفي أول أيام الإمتحانات الأسبوع الماضي، ذهبنا للإمتحان معاً، وأثناء العودة سبقنا إلى الدكان، ونحن ذهبنا لشراء غداء من أحد المطاعم القريبة، تقريباً استغرقت منا مهمة شراء الطعام ساعة، وحينما عدنا وجدنا رهيب قد انتحر”. ويضيف: “كانت لحظات عصيبة بالنسبة لنا تلك التي وقعت فيها أعيننا على رهيب وهو معلق إلى سقف الدكان، بحزام البنطلون، عيناه خرجتا من مكانهما، لسانه إلى الخارج، نحن في صدمة حتى الآن”. ويتساءل: “إلى متى يا تجار الحروب؟ كفى عبثاً بأرواح البشر، كفاية أرجوكم، دعونا نعيش”.
من المسؤول؟
تؤكد الوقائع والأرقام أن ظاهرة الإنتحار في تعز تنامت بشكل مرعب، خصوصاً مع طول فترة الحرب؛ حيث أصبح المجتمع يواجه ضغوطاً اجتماعية واقتصادية ونفسية متزايدة. منير الشرعبي، أستاذ علم النفس في جامعة الحكمة، أوضح، في حديث إلى “العربي”، أن “الإكتئاب والحالة المعيشية الصعبة التي خلفتها الحرب هما السبب الرئيسي فى تنامي ظاهرة الإنتحار التي شهدتها تعز”، لافتًا إلى أن “المواطنين سيطرت عليهم حالة من فقدان الأمل فى الحياة بسبب الظروف المعيشية السيئة”. ويؤكد الشرعبي أن “الإكتئاب الهستيري ينتاب الأفراد في الفترة الراهنة، نتيجة التعرض للمشكلات الإقتصادية والسياسية التى فرضتها الحرب ما يدفع المواطنين إلى التخلص من حياتهم”.
وبالرغم من أن الظاهرة على درجة كبيرة من الخطورة، إلا أن الدراسات حولها لا تزال مفقودة، خاصة مع غياب إحصاءات رسمية من وزارة الصحة لرصد حالات الإنتحار في تعز. الطبيبة النفسية، منى علي الزغروري، ترى أن “الخوض في أسباب الإنتحار قد يعود بعواقب وخيمة”، محملة “الأطراف السياسية التي أشعلت الحرب ولا تزال متعنتة في إطالة أمدها المسؤولية، وهو ما قد يوسع من رقعة هذه الظاهرة بشكل أكثر”. وأشارت الزغروري، في حديث إلى “العربي”، إلى أن “ظاهرة الإنتحار لا تزال من المواضيع المحرمة التي تجبر عائلات على إخفاء محاولات الإنتحار لديها خوفاً من الضجة والفضيحة”، مبينة أن “ذلك يؤثر على نتائج الإحصاء”.
ونبهت الزغروري إلى أنه “لا يمكن لنا أن نحكم على هؤلاء الأشخاص بالضعف أو الجبن أو كل تلك الصفات السلبية التي عادةً ما يتراشقها الناس جهلاً، دون معرفتنا أنه قد تصل درجة اليأس عند الشخص المنتحر إلى الحدّ الذي يجعله ينحاز إلى الموت، مفضّلاً اختياره على أن تستمر كل تلك الآلام التي يشهدها ويواجهها، فلا يصحّ أن نضع اللوم على الأشخاص المنتحرين ولا أن نتحامل عليهم، لكن اللوم والمسؤولية الكبرى تقع على من أشعل نار الحرب التي أوصلت هؤلاء إلى الألم الذي يجعلهم مستعدين للموت وإنهاء حياتهم”.
محاولة… فنجاة
الشاب صادق خالد حاول الإنتحار قبل أسبوعين. كان مُصمماً على وضع حدّ لحياته التي يقول إنها كانت “أشبه بجحيم بسبب ظروفه المعيشية السيئة وإحساسه بالغبن”. صادق، الذي يبلغ من العمر 31 عاماً، تجرع مادة سامة تسببت بإغمائه، لتنقذه عائلته بأعجوبة في آخر لحظة. يفيد صادق، في حديث إلى “العربي”، بأنه عندما حاول الإنتحار لم يكن يشعر لا بالخوف ولا بالتردد، مشيراً إلى أنه كان يعيش حالة من الإنهيار العصبي لم يكن قادراً على تحمّلها. وكشف أن الدافع وراء محاولته الإنتحار هو “الكره الشديد للمجتمع والظروف المعيشية السيئة والإحساس بأن لا فائدة من الحياة في ظل هذه الحرب”.
الانتحار شنقاً
الشاب رهيب طالب جامعي في كلية الطب بجامعة تعز (سنة أولى صيدلة). يسكن رهيب عبد القوي علي مع ثلاثة من زملائه في دكان بالإيجار في مدينة التربة جنوب تعز. الظروف المعيشية الصعبة والحالة النفسية السيئة التي خلفتها الحرب كانت السبب الرئيس لانتحاره. أشرف الشرعبي، زميل رهيب، يسرد تفاصيل قصة الإنتحار، في حديث إلى “العربي”، قائلاً: “بدأنا نلاحظ تصرفات غريبة، واضطراباً نفسياً وقلقاً عند رهيب، صحيح أن الحرب فرضت واقعاً مريراً على الجميع، لكن رهيب إضافة إلى الحالة النفسية السيئة التي فرضتها الحرب، كان يعاني من ظروف مادية صعبة، ففي أوقات كثيرة كان يتناول وجبة واحدة يومياً، فأبوه بالكاد يوفر لقمة العيش لإخوانه الخمسة، وما فاض لديه أرسله لرهيب”.
ويتابع: “كنا دائماً نحاول أن نخفف عنه قدر استطاعتنا ولكن دون جدوى. أصيب رهيب بمرض البروستات، وازدادت حالته سوءاً. وفي أول أيام الإمتحانات الأسبوع الماضي، ذهبنا للإمتحان معاً، وأثناء العودة سبقنا إلى الدكان، ونحن ذهبنا لشراء غداء من أحد المطاعم القريبة، تقريباً استغرقت منا مهمة شراء الطعام ساعة، وحينما عدنا وجدنا رهيب قد انتحر”. ويضيف: “كانت لحظات عصيبة بالنسبة لنا تلك التي وقعت فيها أعيننا على رهيب وهو معلق إلى سقف الدكان، بحزام البنطلون، عيناه خرجتا من مكانهما، لسانه إلى الخارج، نحن في صدمة حتى الآن”. ويتساءل: “إلى متى يا تجار الحروب؟ كفى عبثاً بأرواح البشر، كفاية أرجوكم، دعونا نعيش”.
من المسؤول؟
تؤكد الوقائع والأرقام أن ظاهرة الإنتحار في تعز تنامت بشكل مرعب، خصوصاً مع طول فترة الحرب؛ حيث أصبح المجتمع يواجه ضغوطاً اجتماعية واقتصادية ونفسية متزايدة. منير الشرعبي، أستاذ علم النفس في جامعة الحكمة، أوضح، في حديث إلى “العربي”، أن “الإكتئاب والحالة المعيشية الصعبة التي خلفتها الحرب هما السبب الرئيسي فى تنامي ظاهرة الإنتحار التي شهدتها تعز”، لافتًا إلى أن “المواطنين سيطرت عليهم حالة من فقدان الأمل فى الحياة بسبب الظروف المعيشية السيئة”. ويؤكد الشرعبي أن “الإكتئاب الهستيري ينتاب الأفراد في الفترة الراهنة، نتيجة التعرض للمشكلات الإقتصادية والسياسية التى فرضتها الحرب ما يدفع المواطنين إلى التخلص من حياتهم”.
وبالرغم من أن الظاهرة على درجة كبيرة من الخطورة، إلا أن الدراسات حولها لا تزال مفقودة، خاصة مع غياب إحصاءات رسمية من وزارة الصحة لرصد حالات الإنتحار في تعز. الطبيبة النفسية، منى علي الزغروري، ترى أن “الخوض في أسباب الإنتحار قد يعود بعواقب وخيمة”، محملة “الأطراف السياسية التي أشعلت الحرب ولا تزال متعنتة في إطالة أمدها المسؤولية، وهو ما قد يوسع من رقعة هذه الظاهرة بشكل أكثر”. وأشارت الزغروري، في حديث إلى “العربي”، إلى أن “ظاهرة الإنتحار لا تزال من المواضيع المحرمة التي تجبر عائلات على إخفاء محاولات الإنتحار لديها خوفاً من الضجة والفضيحة”، مبينة أن “ذلك يؤثر على نتائج الإحصاء”.
ونبهت الزغروري إلى أنه “لا يمكن لنا أن نحكم على هؤلاء الأشخاص بالضعف أو الجبن أو كل تلك الصفات السلبية التي عادةً ما يتراشقها الناس جهلاً، دون معرفتنا أنه قد تصل درجة اليأس عند الشخص المنتحر إلى الحدّ الذي يجعله ينحاز إلى الموت، مفضّلاً اختياره على أن تستمر كل تلك الآلام التي يشهدها ويواجهها، فلا يصحّ أن نضع اللوم على الأشخاص المنتحرين ولا أن نتحامل عليهم، لكن اللوم والمسؤولية الكبرى تقع على من أشعل نار الحرب التي أوصلت هؤلاء إلى الألم الذي يجعلهم مستعدين للموت وإنهاء حياتهم”.