بعد فشل رهاناتها.. تل أبيب تطرح مُقايضةً: وقف الهجمات بالعمق السوريّ مُقابل منع حزب الله من الاقتراب للجولان لمنع إعادة سيناريو جنوب لبنان
- متابعات| رأي اليوم ـ زهير أندراوس:
لا يختلف اثنان في الدولة العبريّة وخارجها على أنّ الرهان الإسرائيليّ على إسقاط نظام الرئيس السوريّ د. بشّار الأسد قد فشل، على الرغم من أنّ أركان دولة الاحتلال اعتبروه مصلحةً إستراتيجيّةً من الدرجة الأولى لمصلحة الأمن القوميّ الإسرائيليّ. علاوةً على ذلك، مع تحقيق الجيش العربيّ السوريّ والحلفاء الانتصار تلو الانتصار على المُعارضة المُسلحّة، التي عولج أفرادها في مستشفيات إسرائيل، زاد من قناعة حكومة بنيامين نتنياهو أنّ الرياح في بلاد الشام تجري بما لا تشتهي الصهيونيّة وصنيعتها الدولة العبريّة.
ربمّا، القشّة التي قصمت ظهر البعير كانت التصريحات الأمريكيّة في اليومين الأخيرين، والتي أكّدت على أنّ إسقاط الرئيس الأسد لم تعُد أولوية أمريكيّة، والتي من المُرجّح أنّها كانت نتيجةً أوْ تحصيل حاصل للدور الروسيّ في الشرق الأوسط، علمًا وباعتراف الأطراف جميعها، باتت موسكو اللاعب المركزيّ في المنطقة، وهي التي بحسب تل أبيب، تدعم أعداء إسرائيل، أيْ محور المُمانعة والمُقاومة: سوريّة، إيران وحزب الله.
في ظلّ هذه المُستجدّات التي تصُبّ في غير صالح إسرائيل، باتت الأخيرة تبحث عن مخرجٍ لتوجسّها المُعلن من اقتراب حزب الله وإيران إلى الحدود معها في مرتفعات الجولان، وهي التي حذّر قادتها من المُستويين السياسيّ والأمنيّ من تبعاته، ومن إمكانية قيام حزب الله بفتح جبهةٍ جديدةٍ ضدّ إسرائيل من الجولان العربيّ السوريّ، على نسق الجبهة في الجنوب اللبنانيّ، والتي أدّت إلى هروب الجيش الإسرائيليّ في أيّار (مايو) من لبنان، بفعل ضربات المُقاومة الشديدة.
بناءً على ما تقدّم، رأى محلل الشؤون الأمنيّة والعسكريّة في صحيفة “معاريف”، يوسي ملمان، في مقالٍ نشره وجود إمكانية حصول تسوية في سوريّة تدفع إسرائيل إلى تقليص تدّخلهأ، مقابل إبعاد إيران وحزب الله على الحدود في هضبة الجولان، حسب زعمه.
وقال ملمان، المُقرب جدًا من دوائر صنع القرار الأمنيّ في تل أبيب، قال إنّه واضح لدى متخذّي القرارات على المستوى العسكريّ والسياسيّ في إسرائيل أنّه فُتح حاليًا عهد جديد على الصورة الجديدة لسوريّة، مُشدّدًا في الوقت عينه على أنّ الدولة السوريّة لن تعود كما كانت قبل اندلاع الحرب الأهلية قبل ست سنوات، لأن العجة لا يمكن أن تعود بيضة، وفق توصيفه.
وتابع ملمان، الذي اعتمد بطبيعة الحال على مصادر أمنيّة رفيعة في تل أبيب، تابع قائلاً إنّه في إسرائيل يخشون من أنّ تثبيت سيطرة نظام الأسد على جزء من سوريّة من المتوقع أنْ يؤدّي إلى تواجد قوات إيرانية، وحزب الله أوْ ميليشيات شيعية موالية لإيران على مقربة من الحدود في هضبة الجولان”.
واعتبر المُحلل أنّ هذه هي المسألة الأهّم التي تقلق المؤسسة الأمنية ومن خلالها المستوى السياسيّ، وعلى رأسها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الأمن أفيغدور ليبرمان. وأردف قائلاً إنّ هذه المسالة مهمة لإسرائيل أكثر من مواصلة المساعي المنسوبة لها بإحباط نقل سلاح متطور، خاصة صواريخ بعيدة المدى من إيران عبر سوريّة إلى حزب الله في لبنان، التي كانت حتى الفترة الأخيرة على رأس سلم أولويات التدخل الإسرائيلي في الدولة الجارة في الشمال، وفق تعبير المُحلل الإسرائيليّ.
لذلك، قال ملمان إنّ إسرائيل تحاول التأثير على الاتصالات الجارية في أطرٍ دوليّةٍ مختلفةٍ للوصول إلى أتفاقٍ أوْ تسويةٍ بين بعض المجموعات المقاتلة في سوريّة. ومن أجل تقديم أجندتها، ومنع انتشار قوات إيرانية وشيعية على حدودها الشمالية، وأضاف: يجري ممثلو إسرائيل اتصالات في كل القنوات الممكنة، مع كل من هو شريك في الحرب بسوريّة وله تأثير عليها، وهذه الجهات هي الولايات المتحدة وتركيّا وبالأخّص روسيا، حسب قوله.
وساق ملمان قائلاً إنّه خلال مشاورات أجريت في الأسابيع الأخيرة بمشاركة نتنياهو، وليبرمان ومسؤولين في الجيش الإسرائيليّ والمؤسسة الأمنيّة، تبلورت فكرة يُمكن أنْ تُساعد في تثبيت المصالح الإسرائيليّة في أيّ تسويةٍ مستقبليّةٍ في سوريا.
علاوةً على ذلك، كشف النقاب نقلاً عن المصادر الأمنيّة عينها، عن أنّه لا يُمكن استبعاد احتمال أنّ الفكرة هي أنّ إسرائيل ستكون مستعدةً لتقليص تدخلها المنسوب إليها في سوريّة، مقابل تسوية أوْ تفاهم تمنع، بهدوء إيران وحزب الله وقوات شيعية أخرى من الاقتراب إلى مسافة محددة من الحدود الإسرائيليّة، على حدّ زعمه.
وخلُص ملمان إلى القول إنّ تل أبيب باتت على استعدادٍ لعودة الجيش العربيّ السوريّ إلى منطقة الحدود التي طرده منها المسلحون، كما كان حاصلاً في اتفاق فصل القوات بين الدولتين منذ العام 1974، الذي أنهى حرب يوم الغفران، لافتًا في الوقت عينه إلى أنّ الجهة الأهّم والتي لديها التأثير الأكبر على النظام السوريّ، هي بالطبع روسيا. وأوضح أنّ التدّخل الروسيّ في هذه المعركة منذ حوالي سنة ونصف، وبشكل أساسي من الجو، هو الذي أنقذ الأسد من الانهيار وأدّى إلى ثبات نظامه نسبيًا، وأنّه في إسرائيل يُدركون أنّ الحل في موسكو، ولهذا السبب يُكثر نتنياهو من لقاءاته مع بوتين والتحدث معه هاتفيًا، على حدّ قوله.
مهما يكُن من أمر، فإنّ تلخيص السياسة الإسرائيليّة في سوريّة خلال الأعوام الستّة الماضية يؤكّد على فشلها في تحقيق أيّ مكسبٍ ملموسٍ على أرض الواقع، وأكبر دليل على ذلك، أنّ التهديد الإستراتيجيّ، حزب الله، ما زال يحصل على الأسلحة المُتطورّة والمُتقدّمة وحتى كاسرة التوازن، برغم الهجمات الإسرائيليّة المنسوبة لإسرائيل في العمق السوريّ.