عطوان : لماذا التقى رئيس وكالة المخابرات الامريكية ولي العهد السعودي فقط اثناء زيارته الاخيرة للرياض؟
عبد الباري عطوان
اذا صحت الرواية التي وردت على لسان مسؤول دبلوماسي عربي مرموق، وتقول ان الرئيس الامريكي دونالد ترامب طالب الكويت بدفع 9 مليارات دولار مستحقة عليها ضمن فاتورة تحريرها، واخراج القوات العراقية منها عام 1991، فان هذا يعني ان “فواتير” اخرى مماثلة جرى ارسالها الى دول خليجية اخرى تطبيقا لتهديداته التي طالب فيها هذه الدول بتسديد ثمن الحماية التي تقدمها الولايات المتحدة لها.
هذه الرواية تؤكد ان ترامب كشف عن هذا الطلب اثناء مكالمته الهاتفية التي اجراها مع امير الكويت الشيخ صباح الاحمد، عندما جادله الاخير بأن الكويت سددت للخزينة الامريكية جميع ما كان مطلوبا منها من مبالغ مالية، اسوة بدول الخليج الاخرى، قدرت بحوالي مئة مليار دولار، واصر الرئيس ترامب على تسديد هذا المبلغ، الامر الذي اصاب الامير الكويتي بالقلق.
ما زال من غير المعروف ما اذا كان ترامب طالب كل من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهد ابو ظبي الشيخ محمد بن زايد، بمبالغ مماثلة قبل ثلاثة اسابيع، لكن هذه مؤشرات توحي بأنه فعل الشيء نفسه، وما يؤكد هذا الاستنتاج اعلان الدكتور خالد الفالح، وزير الطاقة السعودي، وبعد المكالمة مباشرة، عن عزم بلاده الاستثمار في قطاع “النفط الاحفوري” في الولايات المتحدة.
***
ترامب قال في مقابلة صحافية ان دول الخليج لا تملك اي شيء آخر غير المال، وان بقاءها يعود الفضل فيه الى الولايات المتحدة، مما يعكس قمة الوقاحة والابتزاز في الوقت نفسه.
وذكرت المصادر الدبلوماسية نفسها التي التقيتها على هامش مشاركتي في المؤتمر السنوي لمعهد الدراسات الدفاعية والتحليلات، والذي بدأ اليوم الاثنين في نيودليهي، للحديث عن كتابي Islamic State the Digital Caliphate، انه كان لافتا ان رئيس جهاز المخابرات المركزية الامريكية مايكل بومبيو التقى الامير محمد بن نايف، ولي العهد وزير الداخلية السعودي، اثناء زيارته للمملكة قبل عشرة ايام، ولم يلتق بالعاهل السعودي الملك سلمان، ولا نجله ولي ولي العهد، الامر الذي جرى تفسيره على دعم ادارة ترامب لولي العهد لدوره البارز في مكافحة الارهاب.
ويعتبر هذا المعهد من اهم المعاهد في آسيا لما تضمه مؤتمراته من خبرات دفاعية وامنية وسياسية، وتناقش قضايا المنطقة بشكل معمق، وخاصة قضايا الارهاب في افغانستان والعراق وسورية واليمن، الى جانب الهند وباكستان.
وربما يعود هذا الاهتمام الامريكي بالامير محمد بن نايف الى تبلور قناعة لدى واشنطن بعودة تنظيم “القاعدة” بقوة في الجزيرة العربية، انطلاقا من اليمن، الامر الذي يتطلب تنسيقا اوسع نطاقا مع المؤسسة الامنية السعودية، التي يتربع على عرشها الامير بن نايف، ولخبرتها التي تمتد لعقدين في محاربة هذا التنظيم.
فرص صمود الرئيس ترامب في البيت الابيض تتراجع بعد اقالة اثنين من اهم المسؤولين في ادارته بتهمة الاتصال بالسفارة الروسية في واشنطن، وهما مايكل فلين، مستشار الامن القومي، وجيف سيشنز وزير العدل، واعتماده قانون الهجرة الجديد الذي حذف منه اسم العراق من قائمة الدول التي سيغلق حدود بلاده في وجه القادمين منها لسبعة اشهر، ولذلك ربما يلجأ الى اجبار دول خليجية على تسديد فاتورة وعوده في اعادة بناء البنى التحتية الامريكية التي قد تكلف مئات المليارات من الدولارات.
***
السفير الروسي في واشنطن سيرغي ليسيلياك الذي لعب الدور الاكبر في سقوط وزراء ترامب الواحد بعد الآخر، والذي اكدت لنا مصادر روسية شاركت في المؤتمر نفسه، انه دبلوماسي محترف، وليس عضوا في جهاز امني روسي، ربما يطيح بمسؤولين آخرين في الفترة المقبلة، بمن في ذلك الرئيس ترامب نفسه، لما اجراه من اتصالات ولقاءات مع “تجار” الادارة الحالية، ولما يملكه من معلومات خطيرة من ضمنها ملفاتهم الشخصية والتجارية.
وهذا السفير الروسي سيدخل التاريخ السياسي والدبلوماسي حتما، ولا نستغرب، ان يحتل منصبا كبيرا في الادارة الروسية مكافأة له على اختراقاته وانجازاته في العاصمة الامريكية.