700 يوم من الحرب: الأفُــقُ لا يـــزالُ قــاتـــمـــاً
وتتحرك المشاريع التجزيئية التي تشهدها اليمن في سياقات جغرافية معزولة ومتضادة ومتناحرة. وفي هذا السياق، يبرز مشروع الدولة الاتحادية المكونة من ستة أقاليم، كخيار يتبناه الرئيس عبد ربه منصور هادي، ويدافع عن مضامينه السياسية، باعتباره مخرجاً من مخرجات الحوار الوطني الشامل. علاوة على الطريقة التي أنتجت هذا المشروع، فإن خيار الدولة الاتحادية ليس خياراً آمناً في ظل المتغيرات التي أفرزتها الحرب التي تعيق تطبيقه، طبقاً لتقديرات سياسية، إذ أخرجت الحرب بنية اجتماعية وثقافية منغلقة في كل المدن اليمنية، وقوى مسلحة استغلت هذه البنية لإنتاج خطابها العصبوي، وبالتالي فإن مشروع الدولة الاتحادية الذي لا يزال يبشر به الرئيس هادي أسقطته الحرب، عملياً.
وعلى الرغم من ذلك، وحتى اليوم، تسير الحكومة “الشرعية” في التصعيد العسكري، معتبرة أنه الخيار الناجع. ومن وجهة نظر مراقبين، لا تقدم السيناريوهات والمشاريع السياسية المطروحة اليوم حلاً للمشكلة الوطنية اليمنية، لكونها تحصر المشكلة في شكل الدولة، ولا تطرح معالجات لجذرها، وهو ما يعني فتح باب للمجهول، ناهيك عن مصادرتها لمستقبل اليمنيين، مما يعني استحالة تحقيقها لاستقرار سياسي. وفي ظل كل ما تقدم، تعود الأسئلة الكبرى إلى الواجهة: إلى أين تسير البلاد؟ وما هي الخيارات المطروحة اليوم؟ وماذا عن الخيارات المقبلة بعد 700 يوم على الحرب؟
في الوقت الذي يستمر فيه التصعيد العسكري على الأرض، تستمر الجهود السياسية والدبلوماسية من قبل الأمم المتحدة والدول الراعية للسلام. إذ أعلن المبعوث الأممي، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، عن جولة مباحثات جديدة له ستشمل الرياض ومسقط وصنعاء وعدن وبعض دول المنطقة. وتأتي هذه الجولة بعد اجتماع الرباعية في ألمانيا، بحضور ممثل عن سلطنة عمان. وتتزامن هذه التحركات الجديدة بشأن ملف اليمن مع زيارة الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، أمير الكويت، إلى سلطنة عمان، استغرقت ثلاثة أيام. زيارة جاءت بعد 3 أيام من جولة خليجية للرئيس الإيراني، حسن روحاني، شملت كلاً من مسقط والكويت، أجرى خلالها مباحثات مع سلطان عُمان وأمير الكويت. وتكتسب زيارة روحاني الأخيرة للكويت أهمية لكونها تأتي في وقت تبذل فيه الكويت جهوداً لإصلاح العلاقات بين دول الخليج وطهران، بعد أن خولتها “شقيقاتها” الخمس (السعودية، الإمارات العربية المتحدة، قطر، البحرين، سلطنة عمان)، فتح الحوار مع طهران في القمة الأخيرة بالبحرين.
ويرى مراقبون أن زيارة روحاني تهيئ الأساس لانطلاق حوار خليجي إيراني، تزداد حاجة الطرفين إليه في ظل الأوضاع الملتهبة في المنطقة، وسط توقعات بأن يشكل بداية لانفراجة في العلاقات بين الجانبين، وفي ملف اليمن تحديداً. الأطراف اليمنية حتى الآن، لا تزال في حالة ترقب للتحركات السياسية الجارية في المنطقة، وعلى ضوئها ربما تأتي التحركات التي يقوم بها المبعوث الأممي، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، بانتظار الجديد الذي سيأتي به الرجل. وفي الوقت الذي يتوقع فيه مراقبون عدم نجاح هذه الجولة السياسية من المباحثات، وبقاء التصعيد العسكري حاضراً على الأرض، يرى آخرون عكس ذلك تماماً، إذ يشير هؤلاء المتفائلون إلى أنه لا تزال ثمة طرق عديدة لفرض خيار السلام، وذلك من خلال التصالح الداخلي، بين المناطق والقبائل والأحزاب السياسية، بموازاة التحرك على المستوى الإقليمي، وتبني مواقف المساعي العمانية والكويتية الدبلوماسية بين الدول الخليجية، وتحديداً السعودية وإيران، ثم المطالبة بالضغط الدولي على هذه القوى الإقليمية المنخرطة في الحرب في اليمن، لحل مشكلاتها، وتشجيع الحل السياسي في اليمن ووقف الحرب والحصار.
وفي هذا السياق يشدد سياسيون على أنه لا بد من العودة إلى الحل السياسي، محذرين من أن اليمن يسير في اتجاه تقسيمه إلى كانتونات، في ظل وجود أربع دويلات وأربع حكومات تتقاسم السيطرة على البلاد؛ وهي حكومة الشرعية في عدن وحكومة “أنصار الله” وحليفها “المؤتمر الشعبي العام” في صنعاء، وحكومة ثالثة في محافظة مأرب، ورابعة في محافظة حضرموت، وإن كانت الأخيرة في شكل مصغر للدولة. ويضيف أصحاب هذه القراءة أن هناك اليوم أكثر من جيش في البلاد، حيث بات لكل محافظة، ولكل جماعة، جيش تحت مسميات مختلفة، منها “النخبة الحضرمية”، و”النخبة الشبوانية”، وفي مأرب هناك جيش تابع لعلي محسن الأحمر، وجيوش تابعة لجماعة “أنصار الله”، وجيوش أخرى تتبع الرئيس عبد ربه منصور هادي.
ويشير هؤلاء، الذين يشددون على ضرورة العودة إلى الحل السياسي، إلى أن عدن كعاصمة مؤقتة لم تتجاوز قصر المعاشيق، وحكومة “الشرعية” لم تستطع أن تقدم نموذجاً لدولة ناجحة على مستوى عدن التي يجري تحويلها إلى قرية عشوائية فوضوية. وفي المقابل، فإن حكومة صنعاء لم يجد منها الشعب سوى الاجتماعات والتصريحات الصحافية وظهور وزرائها على شاشات التلفزيون كل ليلة مطلقين العنان لوعودهم. وفي ظل هذه الأوضاع فإن اليمن مقبل على مزيد من المجاعة، والتشرد، والقتل، والمعاناة، ما دامت الحرب مستمرة والحصار قائماً، وهذا سيحول الناس إلى عصابات للقتل والسرقة، لأن أطراف الصراع والاقتتال لم تع بعد أن هذا الوضع يجب أن يتغير والحرب لا بد أن تتوقف فوراً.