هل تتحقّــق نبوءة ‘بنجامين فرانكلين’ في عهد ‘دونالد ترامب’؟
متابعات| بانوراما الشرق الأوسط| أحمد الشرقاوي
كمؤمنين، نعتقد بأن العالم يخضع لقوانين صارمة أودعها الله فيه لحفظ التوازن الدقيق بين مختلف الموجودات، وهذا الاعتقاد أكدته مختلف رسالات السماء، بحيث أصبح من المسلمات بحكم سنن التاريخ والتجربة البشرية، أنه لا يستطيع كائن من كان أن يتحكم في مصير العالم أو يدمره أو يعيد صياغته على مقاسه ضدا في إرادة الله..
وتجذر الإشارة في هذا الصدد، إلى أن النظرية العلمية التي تقول بـ”هلاك البشرية”، لا تأخذ بالاعتبار الرؤية الإيمانية الشرعية في ما له علاقة بـ”التدافع من أجل العدالة”، بل تتقيد بما تخلص إليه المناهج من ملاحظات موضوعية على ضوء معطيات القوة النظرية، والتي على أساسها تحدد التوقعات المستقبلية متجاهلة أن من يدبر الكون ويتحكم في مسار الأحداث ويصنع التاريخ هو الخالق عز وجل.
ليس صدفة أن تتناول وسائل الإعلام الغربية مؤخرا فرضيات ما أسمته بـ”هلاك البشرية”، منها من أسس لرؤيته الافتراضية على ضوء تصريح سابق لكبير مستشاري الرئيس ترامب، الصهيوني ‘ستيف بانون’ الذي يكن حقدا كبيرا للإسلام وعنصرية معلنة للمسلمين والسود واللاتين والمهاجرين أجمعين لإيمانه بنظرية “الرجل الأمريكي الأبيض”، ويعتبر صاحب مشروع منع مواطني الدول الإسلامية السبعة من دخول الولايات المتحدة.. ‘بانون’ هذا قال، أن الولايات المتحدة تتحضر لحربين كبيرتين، حرب مع الصين في غضون 5 إلى 10 سنوات على أبعد تقدير وهي حتمية لا مفر منها وفق قوله، وحرب كبيرة في الشرق الأوسط لوضع حد للتوسع الإسلامي، في إشارة ضمنية لإيران، وهذه الحرب تكتسي طابع الأولوية لدى إدارة ترامب.
ومع ذلك، هناك من يعتقد أن الحرب مع إيران هي مجرد فزاعة سياسية يسعى من ورائها ترامب لابتزاز مشيخات الخليج واستنزاف صناديقها السيادية، لكن عندما تضع “إسرائيل” إيران وحزب الله على رأس أولويات المخاطر التي تتهددها، وتصنف الأولى في خانة التهديد الوجودي والثاني في خانة التهديد الإستراتيجي، تصبح الحرب مع إيران احتمالا قويا في حال رفضت الأخيرة تقديم تنازلات بشأن هواجس تل أبيب الأمنية.
أما الصين فيرى أحد كبار مسؤوليها العسكريين أن الحرب لا مفر منها وأنها ستشتعل خلال فترة رئاسة ترامب، وأن اندلاعها ليس مجرد شعار اليوم بل واقعا فعليا مرتبط بسيناريوهات حتمية تأخذها بيجين بجدية، ولعل نشر صواريخها النووية على الحدود مع روسيا الاتحادية في اتجاه الولايات المتحدة يؤكد الجدية التي تتعامل بها الصين مع التهديدات الأمريكية.
كما أنه ليس من قبيل الصدفة أيضا أن يخرج علماء من جامعة أوكسفورد هذا الأسبوع للحديث عن أسباب «هلاك البشرية» والتي حصروها في ثلاثة: الأمراض المعدية المميتة كـ”إيبولا” و “زيكا”، والكوارث الطبيعية التي قد تنجم عن ظاهرة الاحتباس الحراري بفعل السموم التي تبثها الدول المصنعة الكبرى، والحرب النووية.
وهذه نظرية قديمة سبق وأن قال بها الباحث الاقتصادي والسكاني والسياسي الانجليزي الشهير ‘توماس مالتوس’ في القرن التاسع عشر وأصبحت من قواعد الدراسات السكانية الأساسية. تقول النظرية، إن الثروات تزداد بمتوالية حسابية (1-2-3-4-8 وهكذا…) في حين أن السكان يزدادون وفق متوالية هندسية (2-4-8–16-32 وهكذا…) ما يجعل من الأوبئة والكوارث الطبيعية والحروب ضرورة موضوعية للإبقاء على التوازن بين الثروات الطبيعية التي توفرها الأرض وعدد السكان..
وطبعا هذه النظرية وإن كانت صحيحة في أركانها الثلاثة، إلا أنها تتجاهل ركنا رابعا مهما لا يمكن للتوازن أن يتحقق من دونه، ويتعلق الأمر بالعدالة في توزيع الثروة، حيث تم القضاء على الطبقة الوسطى وأصبحت الموارد محصورة اليوم في يد 1 % فقط من الأثرياء بعد أن كانت هذه النسبة تناهز 20 % في ثمانينيات القرن الماضي، وبالتالي، فغياب العدالة الاجتماعية هو السبب الرئيس من وراء الاضطرابات المجتمعية الداخلية من جهة، والحروب بين الدول والقوى الإمبراطورية المتصارعة على الموارد والنفوذ من جهة ثانية، خصوصا بعد أن انقرضت الأمراض المعدية بفعل التقدم العلمي، وتراجعت الكوارث الطبيعية بفعل تطور العمران والبنى التحتية والقدرة العلمية على استشعار الأخطار قبل حدوثها، وأصبح التحكم في النمو الديموغرافي يتم من خلال إجراءات البنك الدولي والسياسات الاقتصادية المجحفة بدل برامج تنظيم النسل التي لم تأتي بالنتائج التي كانت ترجى منها، لأن الفقير المعطل لا يمكنه أن يؤسس أسرة، وحتى العامل المنتج لا يسمح له دخله بالحصول على أكثر من طفل أو طفلين.
*** / ***
وعلى ضوء ما سلف، تبقى الحرب هي العامل الذي يحظى بأولوية اهتمام الخبراء والأكاديميين والمحللين اليوم، وقد عاد هذا الاهتمام بقوة في عهد ترامب بعد أن كان قد تراجع في عهد أوباما، لما تمثله شخصية الرئيس الجديد الإشكالية وافتقاره للخبرة السياسية والنظرة الإستراتيجية المسؤولة من تهديد للبشرية، لأنه وبخلاف من أشيع عنه وما أعلنه هو نفسه أثناء حملته الانتخابية من أن بلاده ستنكفئ نحو الداخل ولن تخوض حروبا خارجية لفائدة أحد، متهما الرئيس أوباما وزيرته في الخارجية كلينتون بإشاعة الفوضى من خلال سلاح الإرهاب.. لم يكن صحيحا بالمطلق، ولا يعبر عن النوايا الحقيقية لهذا الصهيوني العنصري والجاهل المسكون بجنون العظمة.
فمثلا، قال ترامب خلال حملته الانتخابية في مقابلة مع وكالة رويترز للأنباء، “إن خطط هيلاري كلينتون بشأن النزاع في سوريا قد تؤدي إلى مواجهة مع روسيا ونشوب حرب عالمية ثالثة”، لكن علماء كبار روس وأمريكان، يعتقدون اليوم أن ترامب نجح في اللعب على مخاوف الأمريكيين من دون أن يكشف عن خططه لمكافحة “داعش” أو للتخفيف من حدة النزاعات في الشرق الأوسط والتي أدت لظاهرة تسونامي اللاجئين، وما عرف بظاهرة بريكسيت وصعود اليمين المتطرف في أوروبا.
كما وأن الوضع الذي يعيشه العالم اليوم يشبه إلى حد بعيد الوضع الذي كان قائما قبل الحرب العالمية الأولى والثانية، حيث أدى صعود الفاشية والنازية إلى نشوب حربين عالميتين مدمرتين هما الأكبر في تاريخ البشرية.
وهناك شبه إجماع لدى الخبراء والباحثين في الغرب على أن وقوع أحداث شبيهة بـ 11 أيلول/شتنبر 2001 ستدفع ترامب لشن حرب طاحنة ضد ما أسماه بـ”الإسلام الراديكالي” والذي يقصد به إيران دون “السعودية” راعية الإرهاب في تجاهل للحقائق وقفز على الوقائع والمسلمات الموضوعية، وقد جاء تصريح وزير الدفاع الأمريكي هذا الأسبوع ليكشف الحجاب عن نوايا إدارة ترامب العدوانية تجاه إيران حين قال، إن”إيران هي أكبر راع للإرهاب في العالم”، ما يؤكد أن معيار التصنيف لدى إدارة ترامب هو صهيوني بامتياز، ولا علاقة له بالمعطيات الواقعية والقانونية والحقائق الموضوعية التي تقول بأن أمريكا هي أب الإرهاب الدولي فيما “السعودية” هي أمه و”إسرائيل” هي حاضنته.
وما يؤكد هذه الفرضية هو ما تسرب عن زيارة الوفد الأمريكي الأخيرة إلى سورية، حيث عرضت رئيسة الوفد الأمريكي على الرئيس الأسد التعاون في محاربة الإرهاب بشرط فك الارتباط مع إيران والقبول بالسلام مع “إسرائيل”، وأوحت له بالمرموز ما يفيد احتمال وقوع أحداث إرهابية كبرى على شاكلة تفجيرات نيويورك زمن بوش، ما سيدفع بالرئيس ترامب إلى شن حرب كبرى في المنطقة لن تكون سورية في منأى عن تداعياتها الكارثية.
وتعليقا على ما تسرب من معلومات حول نوايا ترامب الحقيقية، يستدل ‘مايكل دي أنتونيو’، الخبير الاستراتيجي والكاتب الأمريكي الشهير بمقولة ترامب في أحد خطبه التي قال فيها حرفيا: “إذا تم الاعتداء عليّ، فإنني سأرد بعشرة مرات بالمثل”. حيث يشير أنه في حال قيام اعتداء على الولايات المتحدة كالذي حدث في 11 أيلول/سبتمبر 2001، فإن ترامب من المرجح أن يضع جميع الخيارات جانبًا ليدفع باستعمال أسلحة الدمار الشامل للرد على تلك الاعتداءات دون اللجوء إلى حلول أخرى أو حتى التحقيق في حيثيات الاعتداء.. واستعمال ترامب لمصطلح “الاعتداء عليّ” بدل “الاعتداء على أمريكا” يؤكد عجرفة وغرور ترامب وديكتاتوريته الدفينة، الأمر الذي يحيلنا على مقولة لويس الرابع عشر الذي ألغى الدولة لحسابه حين قال: “أنا الدولة والدولة أنا”، وهي المقولة التي تحمل ذات المعنى العام الذي قال به فرعون قديما “أنا ربكم الأعلى لا أريكم إلا ما أرى ولا أهديكم إلا سبيل الرشاد”، وهذه سمة أساسية من سمات ترامب المرضية.
خبراء كثر انكبوا على دراسة تصريحات ترامب وتصرفاته والقرارات العنصرية التي اتخذها مؤخرا في حق المهاجرين، وخلصوا إلى نتيجة صادمة مفادها، إن ترامب قد يدفع العالم إلى حرب عالمية مدمرة نتيجة جهله ورعونته وغروره، مرجحين أن يلجأ إلى استعمال أسلحة الدمار الشامل لحسم الحرب لصالحه ليعيد لأمريكا مجدها كقوة عظمى لا تقهر، وقد يبرر لذلك بافتعال أحداث إرهابية كبرى على شاكلة ما وقع في نيويورك زمن بوش، وفي هذه الحالة، سيلغي ترامب كل القيود على استخدام أسلحة الدمار الشامل، ولن يكترث لمعارضة الشارع واحتجاجات الناس.
والأخطر هو ما تسرب مؤخرا من معلومات تفيد أن قرار ترامب منع مواطني سبعة دول إسلامية من دخول الولايات المتحدة، كان نتيجة لمعلومات استخبارية تقول بأن جماعة إرهابية كانت تتحضر لدخول البلاد والقيام بعمليات إجرامية نوعية ذات نتائج كارثية.
لكن في حال لم تنجح المخابرات في تنفيذ عملية إرهابية كبيرة على شاكلة تلك التي بررت غزو أفغانستان والعراق، فإن ترامب يخطط لتكثيف التدخلات العسكرية في عدد من مناطق الصراع، والتي تعني توريط الولايات المتحدة في حروب ميدانية طويلة في سوريا والعراق واليمن وليبيا على سبيل المثال لا الحصر، وسيترتب على ذلك نزاعات دولية كبرى، خصوصًا مع روسيا، قد تؤدي إلى مواجه مباشرة بين الدولتين، كما يقول ‘بول بيلار’، الباحث في “معهد بروكنجز للأبحاث” وخبير الدراسات الأمنية في جامعة ‘جورج تاون’.
لكن الأخطر هو ما ذهب إليه خبراء في القانون الدولي في واشنطن كرئيسة قسم القانون في مكتبة الكونجرس الأمريكي التي قالت: إن “ترامب قد يميل إلى إقصاء حلفاء الولايات المتحدة، ليثبت للجميع أن أمريكا القوية قادرة وحدها على حل جميع المشاكل دون حاجة لدعم أو مساندة من أحد، الأمر الذي سيقوض بشكل مريع جهود الولايات المتحدة في الحرب على الإرهاب”.
وخلاصة القول، أن معظم تقديرات الخبراء في واشنطن وموسكو ولندن مثلا، تجمع على أن ترامب سيقود الولايات المتحدة والعالم إلى أزمات وحروب متكررة، وسيدفع العالم أجمع الثمن، لأن ترامب وإن كان رجل أعمال لا رجل سياسة، إلا أن عقيدته تقوم على أن نجاح أمريكا اقتصاديا يحتم عليه اتباع سياسات متطرفة ليحقق بالقوة ما لا يمكن تحقيقه بالدبلوماسية.
*** / ***
عقيدة ترامب التي أشرنا إليها أعلاه، هي عقيدة عبرانية قديمة قدم التاريخ زمن الهكسوس والفراعنة، تبناها اليهود فكلفتهم الشتات والهجرة من الشرق الأوسط إلى أوروبا وبعدها أمريكا، ومفادها، أنه لا يمكن للمصرف الحر أن ينمو ويزدهر عمليا إذا لم يكن محميا بالقوة العسكرية، وهذا هو منبع العلاقة القائمة اليوم بين “التفوق العسكري” و”التمويل المنتظم”، لأن الرخاء لا يمكن أن يتحقق إلا إذا حمت القوة العسكرية القوة المالية، ولهذا نجد اليهود هم من يتحكمون في طباعة الدولار وفي بيوت المال والمصارف العالمية الكبرى.. هذه هي المعادلة باختصار.
وبفضل هذه المعادلة القديمة التي اكتشفها الصيارفة العبرانيين على ضفاف نهر النيل قبل أن يتحولوا إلى يهود زمن موسى، وبعد استفادتهم من تجاربهم المريرة في دول الشرق الأوسط قديما وأوروبا في العصر الوسيط، هاجروا إلى العالم الجديد حيث أقاموا إمبراطورية روما الجديدة بفضل النظام الربوي المنتج للمصرف الحر ضدا في تعاليم السماء، فتحكموا في كل مفاصل السياسة والاقتصاد والثقافة والعلوم والإعلام..
هذا في ما العرب الذين اكتشفوا التجارة النهرية والبحرية ووضعوا الخرائط الجغرافية التي أدت لاكتشاف العالم الجديد، وأبدعوا في صناعة السفن التجارية، وأسسوا لنظام التجارة عبر البحار والمحيطات الذي اقتبسته منهم بريطانيا العظمى، فشلوا فشلا ذريعا في التحول إلى إمبراطورية عظمى قوية وغنية، وأصبحوا أمة من الفقراء مفعول بها، خصوصا عندما تخلوا عن نظام الشرع الجماعي الذي أتى به القرآن، والذي يقول بأن المال هو مال الله لا مال الخليفة أو السلطان أو الملك الإقطاعي، وأن التدبير يجب أن يكون جماعيا لتنمية رأس المال من خلال تأميمه وإعادة توزيعه توزيعا عادلا، وتشجيع الكسب من فضل الله عبر المساواة في الفرص.. وبفشل العرب والمسلمين في تطبيق نظرية “الشرع الجماعي” انتصرت نظرية التوراة اليهودية وحكمت العالم، وأصبحنا نرى الإقطاع العربي الفاسد يشتري أمنه وحماية نظامه من اليهود الصهاينة في واشنطن وتل أبيب.
وتقويض نظرية “المصرف الحر المرابي” لا يمكن أن ينجح إلا من مدخل الاقتصاد، وتحديدا من خلال ضرب الدولار، ولهذا يسعى اليهود اليوم لتفكيك أوروبا لضرب الأورو كي لا ينافس الدولار ويأخذ منه حصة وازنة من السوق الدولية، وروسيا والصين وإيران ليس أمامهم من خيار سوى إعلان الحرب على الدولار، لأن في إضعافه إضعاف لقوة أمريكا العسكرية بشكل ميكانيكي ونزع سلاح العقوبات التي تطبقها على الدول لاحتوائها وعدم السماح لها بالمنافسة الشريفة كما حدث مع روسيا وإيران وسيحدث قريبا مع الصين، والصين تتطلع اليوم بقوة لإقامة نظام اقتصادي ومالي وتجاري عالمي منتج يكون بديلا عن النظام الرأسمالي المتوحش، مولية الأهمية القصوى لاقتصاد الإنتاج لإشراك الجميع في جهود النهوض بالتنمية المجتمعية بدل اقتصاد الريع والمضاربات الربوية.
*** / ***
وهذا بالضبط ما سبق وأن حذر منه الأب المؤسس لدستور الولايات المتحدة ‘بنجامين فرانكلين’ عام 1789، حين ألقى خطابه التاريخي الشهير أمام أعضاء الأمة، محذرا من أن “هناك خطر عظيم يتهدد الولايات المتحدة الأمريكية” مؤكدا أن “ذلك الخطر العظيم هو خطر اليهود”، موضحا أن “اليهود كلما حلوا بأرض إلا وحل بها الفساد وأطاحوا بالأخلاق وتلاعبوا بالذمم والضمائر”، وقال أن سبب اضطهاد اليهود يعود لكونهم يرفضون الاندماج ويعملون على خنق الشعوب واقتصاد الدول كما حصل في البرتغال وإسبانيا، وبعد وفاة ‘فرانكلين رأينا كم كان قوله صحيحا حين عملوا على تقويض اقتصاد ألمانيا زمن هتلر فعاقبهم بالهولوكوست وما أدى إليه ذلك من حروب عالمية، هذا علما أنهم هم من نظّروا فكريا للفاشية والنازية والشيوعية ثم الصهيونية بعد ذلك، كأسلحة إديولوجية استعملت في ما أصبح يعرف اليوم بـ”اقتصاد الحروب” لتدمير الأمم.
لذلك ناشد الرئيس ‘فرانكلين’ البرلمان حينها بالتصويت لصالح قانون يقضي بطرد اليهود من الولايات المتحدة قبل أن يشوهوا الدستور وقبل أن “يحكموا شعبنا ويدمروه ويغيروا شكل الحكم الذي بذلنا في سبيله دماءنا وضحينا له بأرواحنا وممتلكاتنا وحرياتنا الفردية” كما قال، مؤكدا أنه “لن تمضي مئتا سنة حتى يكون مصير أحفادنا أن يعملوا في الحقول لإطعام اليهود، على حين يظل اليهود في البيوت المالية يفركون أيديهم مغتبطين”، ناصحا إياهم بأنه في حال لم يتم إبعاد اليهود نهائيا من أمريكا “فلسوف يلعنكم أبناؤكم وأحفادكم في قبوركم، إن اليهود لن يتخذوا مثلنا العليا ولو عاشوا بين ظهرانينا عشرة أجيال، لأن الفهد لا يستطيع إبدال جلده الأرقط”.
ما قاله ‘فراكلين’ كان صحيحا، وها هي أمريكا تعيش اليوم نفس المشهد الذي حذر منه الرجل قبل قرنين ونيف من الزمن، ففي أمريكا بعث من جديد شعب الله المختار ليقود العالم إلى الخراب ويحول الشعوب إلى عبيد، وما حصل في فلسطين هو الوجه الظاهر من المعادلة لمنع قيام أي وحدة عربية أو إسلامية يرى فيها اليهود خطرا جسيما على مستقبلهم ومشروعهم التدميري الخبيث، وتحسبا لهلاكهم عمروا فلسطين بيهود الجسد من الدرجة الثانية والثالثة، في ما يهود الروح الخطيرين وعددهم يوازي عدد اليهود في فلسطين، فضلوا المكوث في أمريكا حيث ويحيكون المخططات التآمرية على الإنسانية جمعاء، ويقولون أن قتل يهود الجسد في فلسطين سيمكن يهود الروح في أمريكا من إعادة إعمار أرض الميعاد.
وهذا يعني أن تحرير فلسطين إن تم، فقد يعيد للشعب الفلسطيني حقوقه وللأمة العربية والإسلامية مقدساتها، لكنه لن ينهي خطر اليهود ما لم يتم القضاء على نظام “المصرف الربوي الحر”، لذلك فالسلاح الناجع اليوم هو سلاح “الاقتصاد والمال”، لكن طبيعة هذه الحرب لن تحسم بالقوة العسكرية فحسب، بل بنظام اقتصادي ومالي جديد يجب أن تقوم الكتلة الشرقية ممثلة بروسيا والصين وإيران وحلفائهما بإقامته لتقويض الدولار.
إن العنوان أيها السادة هو الدولار، وأوروبا اليوم هي أيضا مهددة في اتحادها وعملتها، وهذا قد يسهم في نجاح هذه المقاربة الجديدة برغم ما قد ينتج عنها من حروب وصدامات عسكرية، فأمريكا قبل كل شيئ وبعده ليست سوى خوذة حقيرة لا تستطيع صنع العالم على مقاس المصرف اليهودي بمنطق القوة.
ونحن على يقين أن الله تعالى لن يمكنهم من خراب العالم وهلاك البشرية، وأن الفتن التي أشعلوها في العالم سيركسون فيها وتنقلب عليهم العواقب، لذلك لا نستبعد أن تعم الفوضى الولايات المتحدة فتنفجر من الداخل، ويستفيق الشعب الأمريكي من غفلته ويدرك خطورة اليهود على أمنه القومي، تماما كما سبق وأن حذر منهم ‘بنجمان فرانكلين’، فيحل بهم العقاب لينالوا نفس المصير الذي لاقوه في أوروبا وألمانيا زمن الفاشية والنازية.