عبد الباري عـطـوان: لا نستبعدُ طَـــرْدَ ترامب من البيت الأبيض كما حدث لـ…
قررنا الابتعاد مؤقتاً في هذه الزاوية عن الملفات العربية المعتادة مثل سوريا واليمن والحروب الدائرة فيها او حولها، عسكريا ودبلوماسيا، بحثا عن جديد لتجنب ملل القارئ العزيز على قلوبنا، والحفاظ على اهتمامه، ومودته، معا، فاستوقفنا حدثان سياسيان ينطويان على الكثير من المعاني والدروس والعبر، وان كنا لا نستطيع فصلهما كليا عن منطقتنا العربية:
الأول: اعلان مكتب الرئيس النيجيري محمد بخاري (منتخب ديمقراطيا)، ان الرئيس طلب من البرلمان تمديد اجازته المرضية بعد ان قضى أسبوعين لاجراء فحوص طبية في بريطانيا، وذلك لاستكمال هذه الفحوص التي أوصى بها اطباؤه، وانتظار النتائج.
الثاني: اصدار محكمة أمريكية في ساعة متأخرة من مساء السبت حكما قضائيا برفض الطلب الذي تقدمت به إدارة الرئيس دونالد ترامب، وإعادة العمل على الفور بقانون حظر دول مهاجري سبع دول إسلامية، موجهة صفعة ثانية للرئيس الأمريكي وادارته العنصرية في اقل من 24 ساعة.
ما يربط بين الحدثين من وجهة نظرنا هو عظمة قيم الديمقراطية وحقوق الانسان، وسيادة القانون، والفصل بين السلطات واحترام القضاء ومؤسسته التي يجب ان يتساوى امامها الجميع.
في بلادنا العربية، ومعظم الدول الإسلامية، تعتبر صحة الملك او رئيس الجمهورية من اسرار الامن القومي لا يجوز ان يعرفها احد، الا القلة القليلة المحيطة به، اما رحلاته الى الخارج، او الداخل لقضاء إجازة او للعلاج سيان، فهي مفتوحة، ولا سقف لها، وهو الذي يحدد بدايتها ونهايتها، ولا يستأذن أحدا، لان هذا القرار “سيادي” والاستئذان يرتقي الى مستوى الإهانة، ثم لمن يتقدم بالاذن، للبرلمان غير الموجود في معظم الدول، او لمجالس الشورى غير المنتخبة، ولا تملك أي صلاحيات تشريعية، وهي بمثابة ديكور للزينة فقط.
اما اذا انتقلنا الى حكم المحكمة الامريكية التي كسرت كبرياء رئيس الدولة الأعظم في العالم وعلمته درسا في ضرورة احترام مؤسسات الدولة، والقضائية منها على وجه الخصوص، فإن هذه المحكمة التي نصت في فتوى قضائية ملزمة بإلغاء العمل بالقانون الذي أصدره هذا الرئيس العنصري الجاهل ويمنع دخول مواطنين مسلمين يحملون تأشيرات رسمية، أظهرت بعض الجوانب المضيئة في النظام الأمريكي، وعززت مكانة المؤسسات، وفرضت احترام الدستور ونصوصه وروحه، والاحصائيات الامريكية الرسمية تؤكد ان 3.3 مليون مهاجر دخلوا الولايات المتحدة في الفترة من 1975 الى 2015 ولم يرتكب أحدا منهم اعمال إرهابية باستثناء 6 فقط، 3 منهم من المسلمين على مدى أربعين عاما.
ترامب كان يتصرف كتاجر، وحاكم عربي، وربما تعلم هذه الخصلة من أصدقائه من التجار العرب، او بالأحرى الحكام التجار الذين يجمع بعضهم بين الحكم والتجارة، سواء بصورة علنية، او من خلال شبكة أبنائهم وبناتهم واصهارهم، وما اكثرهم في بلداننا.
الرئيس النيجيري بخاري، وهو مسلم، رد لنا الاعتبار كمسلمين عندما التزم بأصول الديمقراطية في بلده، وتصرف كموظف عادي يحترم “أولياء امره” في البرلمان، ممثلي الشعب، المنتخبين في انتخابات حرة نزيهة، اما القاضي الفيدرالي الأمريكي الذي رفض استئناف وزارة العدل باسم ترامب، وصادق على قرار زميله جيمس روبارت من مدينة سياتل، باستمرار دخول المسلمين من الدول السبع المحظورة، فقد بيض صفحة الديمقراطية الامريكية، وان كان الكثير منا لا يمكن ان ينسى جرائم امريكا في بلداننا العربية والإسلامية، ومئات الآلاف من الضحايا الذين سقطوا ضحية لها.
نتمنى للرئيس النيجيري والامريكي الشفاء العاجل، الأول من ازمته الصحية، والثاني من جنونه العقلي، وعنصريته المتأصلة، وان كنا نعتقد ان حالة الأخير مستعصية على العلاج والشفاء التام، ولذلك لا نستبعد ان يغادر البيت الأبيض مطرودا، وتولي نائبه مايك بينس، على غرار ما حدث للرئيس الأمريكي السابق ريتشارد نيكسون.. والأيام بيننا.
عبد الباري عطوان / راي اليوم