لا شيء بالمجّان: السودان نحو التطبيع؟
وبعد الإشارة إلى “تطورات جيوسياسية بالغة الأهمية في السياسة الخارجية السودانية” في السنوات القليلة الماضية، مع “تحول السودان بعيداً عن إيران، ووقوفه إلى جانب دول مجلس التعاون الخليجي في مواجهة طهران”، توقفت المجلة عند “الضغوط التي مارسها المسؤولون الإسرائيليّون على نظرائهم الأمريكيين، للبعث بإشارات إيجابيّة تجاه السودان”، و”رفع مستوى الحوار بين الولايات المتحدة والخرطوم”، كنوع من “المكافأة على تحول البلاد باتجاه دول الخليج”. كما أشارت “ناشونال انترست” إلى أشكال التعاون التي نشأت أواخر العام الماضي بين السودان والاتحاد الأوروبي في ملف مكافحة الهجرة غير الشرعية، وأزمة اللاجئين إلى أوروبا، إلى جانب ما ظهر من “تقلص في الدعم السوداني لبعض الفصائل الفلسطينية الإرهابيّة”، و”وقفه نهائياً عن تنظيمي القاعدة وداعش”، فضلاً عمّا أظهره البنك المركزي السوداني من تعاون مع الجهات
الأمريكية المعنية بمكافحة “غسيل الأموال” و”تمويل الإرهاب”.
وعن آفاق العلاقة المرتقبة بين السودان والإدارة الأمريكيّة الجديدة، رأت المجلة أنه “على إدارة ترامب أن تسأل نفسها ما إذا كانت جهود واشنطن الرامية إلى عزل نظام الخرطوم قد أسهمت في تحسين الوضع الناجم عن الأزمة الإنسانية في دارفور، أو في تحقيق مصالح الولايات المتحدة”، مشيرة إلى أن “سياسات واشنطن ضد السودان قد أفادت الصين من خلال دفع الخرطوم للتقرّب إلى بكين”. وعلى هذا الأساس، استنتج التقرير بأن قرار الولايات المتحدة القاضي بتخفيف العقوبات عن نظام الخرطوم، “بالرغم من عدم وجود خطط لرفع السودان عن قائمة الدول الراعية للإرهاب، يبدو مؤشراً على أن إدارة أوباما نظرت إلى العقوبات (الأمريكيّة) خلال العقدين السابقين على أنها جهود لم تفلح في حث البشير على تغيير نهج وأسلوب حكمه” القائم على إجبار المواطنين العاديين على دفع أثمان السياسات العامة للحكومة.
وفي السياق عينه، تابعت المجلة بأن السودان لن يكون على سلّم أولويات إدارة ترامب، وذلك بالنظر إلى ظروف “البيئة السياسية” على أعتاب المرحلة الجديدة في الولايات المتحدة، إلى جانب حجم النفوذ “القوي” الذي يحظى به “لوبي دارفور” هناك، والمكوّن من عدد من الهيئات ومنظمات المجتمع المدني، التي “تمارس ضغطاً على المسؤولين الأمريكيين للإبقاء على الضغوط الدولية على (نظام) البشير بسبب (ملف) حقوق الإنسان”، فضلاً عن مذكّرة التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بحق الرئيس السوداني، على خلفية اتهامات بارتكاب جرائم حرب وتطهير عرقي، وجرائم ضد الإنسانيّة. وأردفت المجلة الأمريكية بأنه في ظل كل هذه المعطيات، فإن “أي اندفاعة في اتجاه تقارب أمريكي سوداني سوف تواجه بدون شك بمعارضة من جانب الديمقراطيين”، إسوة بـ”بعض حلفاء ترامب من الجمهوريين”، وعدد من “الناشطين (الحقوقيين) في الولايات المتحدة وأماكن أخرى” حول العالم.
إلى ذلك، ذكّر تقرير “ناشونال انترست” بالاتهامات التي وجهها أحد أعضاء الكونغرس إلى ريكس تيليرسون، وزير الخارجية في إدارة الرئيس دونالد ترامب، بـ”تغليب المنفعة الخاصة على مصلحة الوطن العامة”، وذلك على خلفية قيام إحدى فروع شركة “إيكسون موبيل”، خلال فترة تولي تيليرسون مناصب إدارية رفيعة فيها، بعقد عدد من الصفقات مع السودان بين عامي 2003 و2006 بقيمة 600 ألف دولار، رغم العقوبات الأمريكية المفروضة على ذلك البلد.
وتساءلت المجلة الأمريكية عمّا إذا كان احتمال انفتاح السودان على الاستثمارات الأمريكيّة سوف يشكل دافعاً للرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب نحو التقارب مع الخرطوم، قبل أن تعيد التذكير بأن “خطاب ترامب في مجال السياسة الخارجية لطالما كان بعيداً كفاية عن قضية حقوق الإنسان” للقول بإمكانية تحقّق هكذا سيناريو، على ضوء تركيز إدارة ترامب على ملفات “الصفقات التجارية”، و”التعاون في مجال مكافحة الإرهاب”، الأمر الذي رحّبت به عدد من الدول العربية، التي واجهت خلافات مع سياسات سلفه في ملف حقوق الإنسان، كمصر والبحرين، وكذلك السودان الذي صرّح رئيسه بأن “التعامل مع ترامب سوف يكون أسهل من التعامل مع غيره من الرؤساء لأنه شخص مستقيم، وواضح الرؤى، ورجل أعمال يولي اهتماماً بمصالح الذين يتعامل معهم”.
وبحسب تقرير المجلة، في ظل بادرة كتلك التي أطلقها الرئيس البشير حيال نظيره الأمريكي، يمكن القول إن “تحسّن العلاقات بين واشنطن والخرطوم يجب أن يكون ممكناً”، وإن كان “من غير الواضح، ما إذا كان ترامب سوف يقارب (ملف) السودان بشكل مغاير لأسلافه”، أو “ما هي المخاطر السياسية التي سوف يكون الرئيس الأمريكي الخامس والأربعون بصدد قبولها في حال سعى إلى التقارب مع نظام يقوده رئيس مطلوب للمحكمة الجنائية الدولية”. وفي هذا الإطار، اعتبرت المجلة أن السؤال المطرح على أعضاء الإدارة الأمريكية الجديدة يتعلق بما إذا كان استمرار إدارج السودان على قائمة “الدول الراعية للإرهاب”، ومواصلة العقوبات الاقتصاديّة عليه، سوف يساعد الولايات المتحدة والمجتمع الدولي على إيجاد حلول واقعيّة لمعاناة السكان في دارفور، والمناطق الأخرى داخل السودان.
وفي محاولة عرض جملة توصيات، رأى الكاتب أنه “يتعين على ترامب، أن يسعى، في الحد الأدنى، إلى إقامة حوار مفتوح بين الولايات المتحدة والسودان، بغرض التواصل مع نظام الخرطوم، إسوة بالمعارضة السياسية في البلاد، وكذلك رجال الأعمال العاملين في القطاع الخاص، والشخصيات القبليّة والدينية المؤثرة والنافذة، وغيرهم من مكونات وأعضاء المجتمع”. وختم الكاتب بقوله “إذا كان البشير يسعى بصدق إلى تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة، على وقع اعتلال اقتصاد بلاده، ومعاناته المستمرة جرّاء العقوبات، فإن الخرطوم عندئذ ربما تواصل إظهار حسن النوايا تجاه واشنطن، وحلفائها”، مضيفاً أنه “من الممكن أن تبدأ إدارة ترامب فصلاً جديداً في العلاقات الأمريكية السودانية عبر إتاحة فرص جديدة للأفراد والشركات في كلا البلدين، بما يكفل منح الشعب السوداني بارقة أمل بمستقبل أفضل”.