عبدُالباري عطوان: الأزمةُ السورية تنتقلُ الى مرحلة أخطر
نتائج مؤتمر استانة الذي اختتم اعماله قبل يومين فقط، بدأت تنعكس توترا وصدامات دموية على الأرض السورية بين الفصائل المسلحة، حليفة الامس، ودخول دونالد ترامب الرئيس الأمريكي الجديد الى الحلبة “مبكرا”، بإعلانه عن إقامة “مناطق آمنة” في سوريا “للأشخاص الفارين من العنف”.
التطور الأول، أي الاشتباكات الدموية بين فصائل الجيش الحر التي شاركت في مؤتمر استانة، وجبهة “النصرة” كان متوقعا، لان هذه الفصائل التزمت بإتفاق يحولها الى “صحوات” تنخرط في تصفية الأخيرة المدرجة على قائمة الإرهاب روسيا وامريكيا، وأخيرا تركياً، لكن ما لم يكن متوقعا هو “المناطق” الآمنة التي يريد ترامب اقامتها داخل الأراضي السورية على الأرجح.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، اكد على لسان ديمتري باسكوف المتحدث باسمه صباح اليوم انه فوجيء بالموقف الأمريكي الجديد، واكد انه لم ينسق مع موسكو حول هذه المسألة، ودعاه الى دراسة العواقب التي يمكن ان تترتب على هذا القرار في تحذير واضح”.
انعقاد مؤتمر استانة كان احد ابرز إنجازات “الدهاء الروسي”، لانه حقق الفصل بين جبهة “النصرة” وفصائل الجيش الحر أولا، وبين جبهة “النصرة” وحليفتها الاستراتيجية حركة “احرار الشام”، ووظف الطرفين الأخيرين في اطار مخطط لتصفية الأولى، أي “النصرة”، في شمال سوريا، ثم الانتقال لتصفية “داعش” في غربها.
بعد “اكمال” عملية الفصل على الأرض، جرت عملية الغاء لـ”الجيش الحر” كمظلة للفصائل المعتدلة، وتوحيد معظم فصائله تحت مظلة كيان قديم جديد عنوانه “احرار الشام” التنظيم الموالي لتركيا، ويعتقد انه الذراع العسكري لحركة “الاخوان المسلمين” السورية.
حركة “احرار الشام” أعلنت الحرب، وبإيعاز من تركيا، عسكريا وسياسيا، على جبهة “النصرة” وفي منطقة ادلب على وجه الخصوص:
عسكريا: تحت ذريعة حماية الفصائل التي وقعت على اتفاق استانة، وتعرضت لتصفية دموية من قبل جبهة النصرة، مثل جيش المجاهدين، صقور الشام، جيش الإسلام، (قطاع ادلب)، ثوار الشام، الجبهة الشامية، وحركة استقم.
سياسيا: من خلال وضع الحكومة التركية جبهة “النصرة” على قائمة الارهاب رسميا اليوم الى جانب “داعش”، وبعد تلكؤ استمر ست سنوات، وإصدار الائتلاف الوطني السوري المعارض بيانا بعد اجتماعه الطارئ بإسطنبول، وبإيعاز تركي أيضا، ادان فيه الجبهة (النصرة)، ووصفها بأنها تنظيم إرهابي عابر للحدود، يتبنى فكرا منحرفا، وسلوك متطرف، ورفض البيان تغيير الاسم الى “فتح الشام”، واصر على ربطه بتنظيم “القاعدة”، وهذا تطور جديد أيضا.
حتى قبل استانة كانت هذه الفصائل تقاتل الى جانب جبهة “فتح الشام” النصرة، ضد تنظيم “داعش” والجيش السوري، وشكلت معها جيشا مشتركا تحت اسم “جيش الفتح” الذي يسيطر على مدينة ادلب حاليا، فماذا حدث لتنقلب الأمور رأسا على عقب في غضون أيام او أسابيع على الأكثر؟
جبهة “فتح الشام” او “النصرة” كانت البادئة بالهجوم الشرس لتصفية الفصائل التي ذهبت الى استانة، وخاصة صقور الشام، وجيش المجاهدين، والجبهة الشامية، بضغط او تنسيق تركي لسببين: الأول: وصول معلومات مؤكدة ان بعض هذه الفصائل هي التي قدمت معلومات للتحالف الأمريكي عن تحركات عناصرها وقياداتها، مما أدى الى استهدافها ومقتل 13 في غارات أمريكية.
الثاني: تعهد هذه الفصائل في الانخراط في حرب ضدها في استانة باعتبارها حركة إرهابية. جبهة “النصرة” تواجه المصير نفسه الذي واجهته “داعش” ومن قبلها الفصائل المذكورة نفسها، وبالذريعة نفسها، أي تجاهل “فتح الشام” الدعوات للاحتكام الى المحكمة الشرعية التي دعت لانعقادها حركة “احرار الشام” لحقن الدماء، الامر الذي دفع هذه المحكمة وداعميها الى وصفها، أي جبهة النصرة، بـ”الفئة الباغية” وتحميلها مسؤولية هذا التجاهل.
لا نعرف ما هو موقف الشيخ عبد الله المحيسني القاضي الشرعي لحركة “احرار الشام” و”المجاهدين”، وكذلك مواقف الشيخين ابو محمد المقدسي، وعمر عثمان ابو عمر “ابو قتادة”، اللذين انتصرا لجبهة النصرة، او بالأحرى الذراع العسكري لتنظيم “القاعدة” في سوريا، في خلافها مع “داعش” كما لا نعرف أيضا موقف الدكتور ايمن الظواهري، زعيم “القاعدة”، تجاه هذا التطور الذي ستترتب عليه نتائج خطيرة جدا.
اختلطت الأوراق سريعا على الساحة الميدانية السورية، وتبخرت بعض الآمال في تحقيق تسوية سياسية تحقن الدماء، وبث الحياة مجددا في العملية السياسية التفاوضية، وانعقاد مؤتمر جنيف في الأسبوع الثاني من شهر شباط (فبراير) المقبل. لا نستبعد، او نستغرب، حدوث نوع من التقارب بين جبهة “النصرة” وتنظيم “داعش” باعتبارهما في دائرة الاستهداف، مثلما لا نستبعد بداية خلاف وربما تصادم بين “الصديقين” بوتين وترامب على الارض السورية.
فإعلان ترامب عن اصراره لاقامة مناطق آمنة، واعطائه صقور وزارة الدفاع 90 يوما لوضع هذه الخطة والبدء في تنفيذها لاحقا، وترحيب تركيا السريع، كلها تتطلب فرض حظر جوي، وجود قوات ومعدات أمريكية بأعداد ضخمة على الأرض، وزيادة اعداد الطائرات الحربية، فهل ستسكت موسكو على هذا التدخل العسكري المباشر الذي سيهدد تفردها بالساحة السورية، وكيف سترد؟
*عبد الباري عطوان/ رأي اليوم