“الغارديان”: جَدَلٌ بريطاني عقبَ “الاعتراف السعودي”
على ضوء اعتراف “التحالف السعودي” باستخدام ذخائر عنقودية في اليمن، اعتبرت صحيفة “الغارديان” أن حكومتي لندن والرياض “قد لا تكونا انتهكتا القانون إذا ما أقرّت الأخيرة” بأن قواتها استخدمت قنابل عنقودية بريطانية الصنع في ذلك البلد، مشيرة في الوقت عينه إلى أن الأمر “خيانة للثقة، سواء بين الحكومتين، أو بين الوزراء البريطانيين، من جهة، والنواب البريطانيين، من جهة أخرى”.
وتابعت الصحيفة البريطانية بأن “استخدام هذه الأسلحة من قبل السعوديين، ليس الشيء الوحيد الذي يخضع للتدقيق والمساءلة”، بل أيضاً “طبيعة العلاقة الأمنية بين المملكة المتّحدة والمملكة العربية السعودية”، وبخاصة الشق المتعلق بـ”مدى التأثير الذي تملكه بريطانيا على سلوك وأداء الرياض في الحرب على اليمن”.
وأضافت “الغارديان” بأن السؤال الأساسي الموجه لحكومة لندن يتمحور حول عمر استخدام القنابل العنقودية البريطانية الصنع في تلك الحرب، وما إذا كانت قد “حجبت هذه المعلومات عن البرلمان”، الأمر الذي يشكل خرقاً لتعهداتها السابقة بإعلام المجلس بخلاصة ما تتوصل إليه التحقيقات حول ما إذا جرى استخدام هذا النوع من الذخائر في اليمن. وتابعت بأنه في حال توصلت وزارة الدفاع إلى استنتاجات تؤكّد استخدام قنابل عنقودية بريطانية الصنع، فإنه “سوف يتحتّم عليها القول ما إذا كانت قد تعرّضت لعملية تضليل من قبل السعوديين، أو ما إذا كان الوزراء (البريطانيون) يضلّلون النوّاب”، مشيرة إلى أن أيّاً من الاحتمالين “لن يكون بالأمر السهل، والمستساغ”، وذلك بالنظر إلى طبيعة العلاقة “بالغة التعقيد” و”السرية” و”الحسّاسة” بين المملكتين.
وعادت الصحيفة إلى ما صرّح به وزير الدفاع البريطاني السابق، فيليب دان، داخل مجلس العموم في مايو الماضي، حين قال إن توريد الدفعة الأخيرة من القنابل العنقودية البريطانية الصنع من طراز BL755 إلى المملكة العربية السعودية، كان قبل حوالي 30 عاماً، وتحديداً في العام 1989، لافتاً إلى توقيع بلاده على اتفاقية حظر استخدام وإنتاج ونقل وتخزين الذخائر العنقودية عام 2008، قبل أن تعود وتصادق على الاتفاقية عام 2010، مع تشديده على التزام بريطانيا بأحكامها، وبأنها لم تبادر إلى التصرف بشكل مخالف للقوانين.
وذكّر تقرير الصحيفة، الذي جاء بعنوان “السعودية والقنابل العنقودية البريطانية الصنع: ما الذي نعرفه”، بما أكّد عليه وزراء بريطانيون، ومن بينهم دان، حين عبّروا في أكثر من مناسبة عن قناعتهم بأن السعوديين لم يعمدوا إلى استخدام الأسلحة والذخائر العنقودية التي حصلوا عليها من المملكة المتحدة في النزاع الدائر في اليمن. وعادت الصحيفة إلى تصريحات قال فيها دان إن “الحكومة البريطانية تسعى إلى الحصول على ضمانات جديدة من السعوديين” حيال القضيّة، إلى جانب تشديده على أن أي أدلة يتم الحصول عليها في هذا الخصوص، سوف يتم تمريرها إلى اللجان المعنية بمراقبة وضبط صادرات السلاح، علماً بأن “البرلمان لم يحصل على هكذا أدلة مذّاك”، وفق “الغارديان”.
ولفت التقرير، الذي أعده باتريك وينتور، إلى تحقيق تلفزيوني في أكتوبر الماضي، استند إلى الأدلة التي قدّمتها “منظمة العفو الدولية” بشأن استخدام أسلحة عنقودية في اليمن، وهي كناية عن صور حصلت عليها المنظمة في مارس الفائت من قبل أحد “المقاتلين الحوثيين” على خط جبهة باقم، بالقرب من الحدود السعوديّة. وبحسب ما جاء في التحقيق التلفزيوني المشار إليه، فقد أكد خبراء عسكريون مستقلون على أن تلك الصور تعود لـ”قنابل عنقوديّة BL755 ، بريطانية الصنع”، الأمر الذي نفاه المتحدث باسم قوات “التحالف” مرجّحاً أن تكون الصور عائدة لتاريخ مواجهة السعودية لـ”الميليشيات الحوثية” في العام 2009.
وعلى خلفية تلك المزاعم، أشارت الصحيفة إلى نشر لجان برلمانية بريطانية، من بينها لجنة الأعمال، ولجنة التنمية الدولية، تقريراً دعا حكومة المملكة المتحدة إلى “تسريع إجراءات التحقيق بشأن ما يعرفه السعوديون” عن المسألة. وجاء في التقرير: “(إننا) لا نعتقد بأن الحكومة البريطانية قادرة على الوفاء بالتزاماتها فيما يخص اتفاقية الذخائر العنقودية، بالركون إلى تأكيدات السعوديين”، إلى جانب دعوة وزارة الدفاع لضرورة “إجراء التحقيقات الخاصة بها”، بشأن “الاستخدام المزعوم لقنابل عنقوديّة بريطانية الصنع، من قبل قوات التحالف”، وبشأن “الأدلة المتوافرة” حول ذلك في اليمن. كما أصدر التقرير توصيات إلى حكومة لندن، بصفتها إحدى الدول الموقّعة على اتفاقية حظر استخدام الأسلحة العنقودية، بضرورة إدراج سلسلة الخطوات التي اتبعتها، ليس فقط للتأكد من أن الأسلحة البريطانية الصنع “لم يجر استخدامها” هناك، وأن العناصر العسكريين البريطانيين “ليسوا ضالعين في استخدام ونشر تلك الأسلحة”، بل أيضاً للتأكّد من “الخطوات التي اتخذتها لمنع المملكة العربية السعودية من استخدام القنابل العنقودية”، قبل أن ترد الحكومة في ديسمبر الماضي باعتماد خطوات للمباشرة بإجراء تحقيق من جانبها، وإن كانت الأخيرة لا ترى أن استخدام تلك القنابل من قبل أنظمة غير موقّعة على معاهدة حظر الأسلحة العنقودية، غير مشروع بالمطلق، خصوصاً إذا ما تم استخدامها “بما يتوافق مع قواعد القانون الدولي الإنساني”.
ومع تفاقم الجدل بشأن المسؤولية التي قد تترتّب على دولة معينة جرّاء مساعدتها دولة أخرى على القيام بـ”أعمال غير مشروعة” في نزاع ما، أشارت الصحيفة إلى أن حكومة المملكة المتحدة تواجه دعوى قضائية الشهر المقبل، على خلفية صادراتها من القنابل العنقودية إلى المملكة العربية السعودية.