كل ما يجري من حولك

عن صراع “الدواعش والروافض” بعمران: “البقبقة للولي والفائدة للقيوم”!

745

متابعات| العربي| فايز الأشول:
منذ نشأة حركة “أنصار الله” في محافظة صعدة في العام 2002م وحتى اليوم، تتنامى مظاهر الإحتفاء بالمناسبات الدينية، وفي مقدمتها ذكرى “استشهاد الإمام الحسين” و”استشهاد الإمام زيد بن علي” و”قدوم الإمام الهادي إلى اليمن”، في المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة بشكل لافت. يحتشد الآلاف في أكثر من ساحة وميدان رافعين الرايات الخضراء، وتتزاحم شعارات المناسبات في الشوارع ومداخل المدن. ومن وحي هذه الصور والمشاهد، يفترض البعض مبرراً لمخاوف أنظمة الخليج من “ذراع إيرانية”، ما تزال تخوض حرباً أكلت الأخضر واليابس من أجل بترها.
إبتلعوا المذاهب
أعادت الحرب إلى أذهان الكثيرين تاريخ صراعات الأئمة، بدءاً من الإمام الهادي يحي ابن الحسين الرسي وحتى الإمام أحمد يحيى حميد الدين، وما اتسمت به من تسلط التصق بسكان الجغرافيا الجبلية، كأنصار لكل إمام رأى في السلطة حقاً متوارثاً لآل البيت، وفرض مذهبه وحكمه على الهضبة والساحل بـ”عكفة الجبل”. وبفعل تلك الصراعات تعددت المذاهب، وبرز “نقيل سمارة” في ما مضى كحد فاصل بين الزيدية والشافعية. لكن ومن خلال تفحصنا لمكتبات المساجد في عدد من محافظات شمال الشمال، وجدنا الكثير من مؤلفات سيد قطب وحسن البنا وأبو الأعلى المودودي وسيد سابق، وكتيبات ابن باز وابن عثيمين وعمرو خالد، وكاستات لعبد الحميد كشك وعايض القرني ومحمد العريفي، ولم نجد كتاباً أو مرجعاً للمذهب الزيدي أو الهادوي. وبالانتقال إلى وسط اليمن حيث ساد المذهب الشافعي وبعض فرق الصوفية، فإن العلامة سهل ابن عقيل الذي ينظر إليه كمرجع للشافعية في اليمن انتقل من مدينة تعز للعيش في صنعاء، خوفاً على حياته ممن سمّاهم بـ”الدواعش”. وقال، لـ”العربي”، إن “الإخوان المسلمين والوهابية ابتلعوا الزيدية والشافعية ويريدون ابتلاع اليمن”.
في خدمة السياسة
في نهاية سبعينيات القرن الماضي، وتحت مظلة النظام وعدد من مشائخ القبائل وبتمويل من السعودية، تأسست المعاهد العلمية في اليمن، ومركز دماج السلفي في صعدة، ومن خلالها انتشر فكر السلفية – الإخوانية على حساب الزيدية والشافعية والصوفية. وانحصر تدريس منهج التشيع بـ”آل البيت” في قرية ضحيان بصعدة على يد مجد الدين المؤيدي وبدر الدين الحوثي.
وبعد عقود من الشعور بالتهميش والمظلومية تأسس في العام 2002 م بصعدة ما سمّي بـ”تنظيم الشباب المؤمن”، والذي قال عنه محمد يحي عزان إنه كان “حركة تعليمية تنويرية تهتمّ ببناء الفرد معرفيّاً وعمليّاً، وتقوم على أساس الجمع بين الأصالة والمعاصرة، وتسعى للتخفيف من حدّة المفارقات المذهبية”. لكن عزان يرى في “أنصار الله” اليوم “حركة تتقمّص إحياء الزيدية السياسية، بصيغتها الهادوية الجارودية، ولكن بطريقة فجَّة وانتقاء لأسوأ ما فيها” محذراً من أن هذه الطريقة ستؤدّي إلى وضع الزيدية عموماً في مواجهة الآخرين على المستوى الفكري والسياسي.
عيد وكفى
في الـ 18 من شهر ذي الحجة من كل عام يحتشد الآلاف في محافظة عمران إلى منطقة ركن ريدة للإحتفال بـ”عيد النشور”، حيث ضريح “الحسين” هناك. يطلقون الرصاص بكثافة من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، وفي وعيهم احتفاء بانتهاء إجازة عيد الأضحى والنشور إلى أعمالهم، دون معرفة من يرقد في الضريح، وأي حسين هو. وحدها الأسر الهاشمية التي تحتفي بالعيد كذكرى لـ”يوم الولاية” لتكرس أحقيتها بالإمامة والسلطة. ووحدها من تعرف أن الضريح يضم رفات الإمام الحسين بن القاسم العياني، وليس الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب. فـ”البقبقة للولي والفائدة للقيوم”.
يتوارث الأئمة ومشائخ القبائل النفوذ في جغرافيا شمال الشمال، ويتوارث العامة الجهل والفقر، ويذهب الكثير منهم وقوداً لصراعات “السادة والمشائخ”، منذ قدوم الإمام الهادي من الحجاز في القرن الثالث الهجري وحتى اليوم، ليلتصق بهذه الجغرافيا وصف “المركز المقدس”. ومصدر الحروب والصراعات على بقية الجغرافيا اليمنية.
هيمنة تاريخية
وفي الوقت الذي تستحضر فيه “أنصار الله” المظلومية، لا تدرك بأن كثيراً من اليمنيين يرون في زعيمها إماماً قادماً من الجغرافيا الزيدية ليمارس تسلط المركز والاستحواذ على الحكم بالقوة. وهذا الشعور عبّر عنه الكاتب والباحث، مصطفى راجح، بقوله: “كانت تمنيات وجود رئيس أسود لأمريكا ورئيس شافعي في اليمن أشبه بالخيال، غير أن هذه الفكرة لم تعد بنفس الجاذبية والشغف بعد باراك أوباما وعبد ربه منصور هادي، فالأول لم يكن بداية عالم جديد، لا في أمريكا ولا لشعوب العالم الثالث، وأما عبد ربه فقد ساهم ببروده وضعف شخصيته وأدائه المرتبك في عودة الهيمنة التاريخية إلى برنامج الوندوز المذهبي الأصلي، وليس حتى إلى برنامج وندوز التوريث العصبوي القبلي الذي جاءت ثورة 11 فبراير لتجاوزه”.
ويضيف “ليس كافياً أن تأتي برئيس من الفئة المجتمعية المستبعدة من السلطة العليا، ولكن كسر الهيمنة يحتاج وندوز وطني فعال وشامل تكون فكرة كسر الهيمنة في منطقة القلب منه، ودور الفئة المستبعدة في جوهره كشريك أساسي في سياق مواطنة واحدة بدون درجات وتمييزات ومراتب”.
شأن سياسي
وعلى الرغم من محاولة بعض الأطراف المحلية والإقليمية تكريس المذهبية والطائفية في الصراع الدائر على الساحة اليمنية، وبلوغ الشطط إلى نعت “أنصار الله” بـ”الروافض والمجوس والفرس وأحفاد باذان”، في مقابل شطط “أنصار الله” بوصف خصومهم بـ”الدواعش والتكفيريين والمنافقين”، إلا أن الكاتب علي الضبيبي يقول إن “الصراع على السلطة في التاريخ هو شأن سياسي بحت، ولا علاقة له بالطائفية والدين والمذاهب التي يتحلق حولها المهزومون دائماً ويحتمون بها”. مدللاً على ذلك بأن “الشافعية لم تتقاتل في يوم من الأيام على أساس مذهبي، فأروى بنت أحمد الصليحي حكمت اليمن بالشوافع. وقاتل عبد الله بن حمزة فرقة المطرفية الزيدية بالزيدية وبالشافعية معاً، وعندما ضعفت الدولة القاسمية بعد رحيل المتوكل على الله إسماعيل وانكفأ امتداداها من الشرق والشمال إلى الوسط جاء محمد بن أحمد بن الحسن، الملقب بصاحب المواهب، من الحجرية بجيش شافعي يتألف من أبناء تعز وتهامة وإب، وانتزع السلطة وهي تترنح من قبضة ثلاثة أئمة هم أعمامه وأبناء عمومته”.
مع المواطنة والدولة
من جانبه، يقول الكاتب فتحي أبو النصر “اليمنيون وحدهم في حال إنهم استوعبوا الأبعاد العميقة للتحولات الخطيرة الجارية في المنطقة بإمكانهم أكثر من غيرهم تقويض آفة الفقه السني المتمثل بالحكم في قريش، وآفة الفقه الشيعي المتمثل بالحكم في أهل البيت”، مؤكداً “عليهم أن يحددوا مواقف عقلانية تنحاز للمواطنة و للدولة بالضد من الحكم باسم القبيلة أو باسم السلالة أيضاً، وجمع شملهم في مشروع نهضوي حضاري جوهره الاصلاحات الدينية والسياسة، بدون تفريق بين الجنس والمذهب وكذا الايمان التام بأن لا طاعة لمن ينتهك الحقوق والحريات”.
You might also like