اشتقتُ إلى خُبز أُمي، وقهوة أُمي
خالد أمين الغيش
أقرأ منذ أسبوعين كتابَ (الإمام علي صوت العدالة الإنْسَانية) للكاتب وَالأديب المسيحي جورج جرداق فأتذكر أُمّي -(وَكم أعتز بها وَأفتخر)- وَأراها عند كُلّ مقولة للإمام علي عليه السلام.
نعم فقد كانت وَمن كثرة الاستشهاد به نحس أن الإمام علياً يعيش بأقواله بيننا، لا تأكل إلا حلالاً يقول الإمام علي، فالفُظْها وَإن كانت في فمك، لا تساير إلا الأخيار، يقول الإمام علي كذا وَكذا، لا تتهافتوا على من ليس صاحب خلق وَقيم مهما عظم شأنه، يقول الإمام علي كذا وكذا، وكل حكمه وَمقولاته في النبل وَالاستقامة وَقول الحق دون مراعاة المصالح الشخصية (لو سكت أهل الحق لظن أهل الباطل أنهم على حق) وَإن الإنْسَان الحر لا يقبل أن يتذلل لأحد وَلا يقبل أن يهين أحداً وَلا يقبل أن يهان أحدٌ أمامه، و…
ونعم الأم أنت يا أمي، وَمنذ بدأت قراءة هذا الكتاب عرفت سر اهْتمَام والدتي الغالية بشخصية الإمام علي كرم الله وجهه.
يقول الدكتور العلامة عدنان إبراهيم بهذا الصدد أتحدى رجلاً يعرف البطولة وَالشرف، يعرف العدالة وَالمساواة، يعرف ما معنى الحقيقة، ما معنى عزة النفس، ما معنى الإيمان وَالثبات على القيم والمبادئ وَالأَخْـلَاق وَالنبل وَالكرم، أتحداه أن يقرأ سيرة الإمام علي وَلا يعشقه!!
فكل من يعشق هذه القيم والمبادئ فهو يوالي الإمام علياً أشد الولاء وَمن كان منافقا سارقا كاذبا (أحمر عين) وَلا يعرف هذه القيم وَلا يهتم بها فلا يهمه الإمام علي وَلن يهتم به أَوْ يذكره من قريب أَوْ بعيد.
ينظر جورج جرداق لعلي بن أبي طالب بأنه من عظماء الإنْسَانية وَأنه ليس ملكاً لأحد وَهو يراه أَوْ يقارنه بعظماء وَفلاسفة آخرين وَهم للبشرية جمعاء وَليسوا قصراً على أحد.
يكتب الأديب المسيحي جورج عن التأريخ البشري وَعن الأشخاص وَمدى إسهام هؤلاء العظماء في مقاومة الظلم وَمقاومة الطغاة وَالمستبدين وَفي ما يقدمونه من تضحيات في سبيل كرامة وَعزة وَرفعة الإنْسَان وَالإنْسَانية.
يقول أيضاً إن تمجيدنا للأبطال وَالرموز الحقيقية وَتحطيمنا للقيود التي تكبلنا (يقصد ما وجدنا عليه آبائنا وما أوجدوه لنا من تأريخ يخفي الكثير من الحقائق) فلا نهاب أحداً فهذا يعتبر تدعيما لقومية عربية إنْسَانية لخدمة الإنْسَانية. وَيَقُول إن الشعب الذي ظهرت فيه عبقرية منذ أربعة عشر قرناً برجل كعلي بن أبي طالب وَبعض تلاميذه وَأَنْصَاره هو شعب يستطيع أن يواكب هذا العصر وَيمشي مع القافلة وَهي تنظر إلى الأمام وَلا تلتفت إلى الوراء إلا لتستمد العزيمة وَالقوة وَالعبرة (نعم يا جورج لا أن نتوقف عند القرن الثاني الهجري وَنعيش بفتاوى واجتهادات القرن الأول وَالثاني الهجري، بل نجتهد كما اجتهدوا).
وَيقول أيضاً: كُلّ شعب من شعوب هذه الأرض الواسعة قد نظروا إلى الشوامخ وَالعظماء من صفحات تأريخهم وَتأريخ الإنْسَانية ينظر إلى الواحد من هؤلاء العظماء فيدرسها دراسة جيدة فيعرف هؤلاء العظماء فيضع كُلٍّ في مقامه فيستفيد عبرا وقوة.
أقول نعم يا جورج كُلّ شعوب الأرض قرأ وَيقرأ التأريخ قراءة فوضعوا عظماءهم في المكان اللائق بهم إلا أمة اقرأ لا تقرأ وَإذا قرأنا تقرأ تأريخاً طُمست فيه الكثير من الحقائق وَلا نكلف أنفسنا عناءَ البحث، وَليست لدينا العقلية الشغوفة بالبحث وَالتقصي بل نأخذ ما يقدم لنا بكل سذاجة!!
فرفعنا ما وضع الله، وَوضعنا ما رفع الله، قللنا من شأن من قاماتهم تطاول عنان السماء،
نعم يا جورج تأريخنا بهذا الشكل لا يشرف وَلا يضيف شرفاً إلى تأريخ الإنْسَانية، فهو تأريخ دموي قام على الاسْتبدَاد وَالخديعة وَالمكر وَاستعباد البشر وَإهدار الكرامة الإنْسَانية وَما زلنا إلى الآن يا جورج نمجد ثقافة شراء الذمم وَالخداع وَالكذب وَالفساد وَالاحتيال وَالنصب!!
بل إن كُلّ صفات من يسميهم القرآن الكريم أعراباً، كُلّ من يتصف بهذه الصفات يٌطلق عليه في وطني اليمن (أحمر عين) أي بمعنى رجل عظيم!!!!
يتكلم جورج جرداق عن أن التأريخ البشري وَالإنْسَاني مر بفترات وَعصور ازدهار وَرقي وَعصور انحطاط أَخْـلَاقي وَظلم اجْتمَاعي فينظر منهم الذين كافحوا في سبيل إزاحة ما أصاب الإنْسَانية وَالبشرية من ظلم وَاعتداءات منذ خلق الله الإنْسَان مروراً بعصر النهضة الأوربية مقارناً بين الإمام عليه صلوات ربي وسلامه عليه، وبين بعض فلاسفة وَمصلحي وَمفكري النهضة الأوربية وَأصحاب العُقَد الاجْتمَاعي وَمن سنوا الدساتير، وَما أروع إنصافه وَموضوعيته حين قال إن أَسْبَـاب القوانين الأوربية توجد في كلام الإمام علي وَأن وصايا الإمام علي تتضمن حقائق عَجِزَ عنها رجال الفكر المعاصر أَوْ عانوا في اكتشافها أشد المعاناة.
الكتاب رائع جدّاً بل عظيم، صحيح هو كبير (خمسة مجلدات) لكن أنا عن نفسي أتصفح الفهرس وَاقرأ ما يلفتني وَليس كُلّ الكتاب.
وَفي الحقيقة أن مناقب الإمام علي مبثوثة في كتب جميع الفرق الإسْـلَامية وَلا يستطيع أحد على الإطلاق أن ينكرها، فلا بد من قراءة سيرة وتراث الإمام علي؛ لأنه يمثل الإسْـلَام المحمدي المعتدل الصحيح.
وَرضي الله عن الإمام الشافعي حين قال: لقد ظهر من بين الكتمين ما ملأ الخافقين.
فسلام الله عليك يا أبا الحسنين.
السلام عليك في العالمين.
السلام عليك إلى يوم الدين.