هل عادت الثورة اليمنية الى نقطة الصفر ؟!
عبدالرحمن هاشم اللاحجي
شهدت العاصمة اليمنية صنعاء صباحية الخميس الماضي ولادة طبيعية-غير متعسرة من جانب واحد تمخضت بإعلان :اتفاق سياسي بين مكوني أنصار الله و حلفائهم من جهة والمؤتمر الشعبي وحلفائه من جهة أخرى وذلك بعد موجه من الجولات التفاوضية العبثية التي خاضها الطرفان مع وفد المملكة العربية السعودية في أجواء انقلابية – مخادعة كان اخرها الانقلاب الاممي الذي تزعمه اسماعيل ولد الشيخ في الجولة الثانية من المفاوضات واثار استياء الكثير من النُخب في الاوساط المحلية والدولية المراقبة لسير تلك المشاورات المنعقد عن كثب !
الاتفاق التاريخي الذي حمّل الامم المتحدة وولد الشيخ مسؤولية ما آلت اليه المفاوضات المنعقدة في الكويت نتيجة الرضوخ للاملاءات السعودية المتكررة وآخرها ما جاء في الورقة السعودية المحددة لأجندات الجولة 2 من المفاوضات المنعقدة كان قد قضى بتشكيل مجلس سياسي أعلى لإدارة شؤون الدولة (وفق الدستور الدائم للجمهورية اليمنية) على ان يتقاسم اعضائه العشرة الطرفان مناصفة بينهما وتنطبق على رئاسة مجلسه صفة الدورية بما في ذلك نائب الرئيس كما يكون له سكرتارية / امانة عامة يحدد مهامها المجلس لاحقاً بقرارات صادرة عنه .
تقول بعض التحليلات بأن الخطوة المفاجئة التي اعلن عنها الجانبين تأتي في اطار ترميم الشروخ السطحية التي نجمت بين الجانبين بفعل العدوان الذي شهدته اليمن منذ آذار 2015/مارس وطفت على السطح مؤخرا اثناء الاحتفائية بمناسبة ذهاب العام الاول على انطلاقه ، حيث سادت حالة من عدم الثقة بين الطرفين ولولا التطمينات التي ادلى بها السيد/ الحوثي لحليفه بعيد تلك الاحتفائيه الساخنة لكانت الامور ذهبت الى اسواء احوالها لكن تلك التحليلات الجزئية تظل قاصرة اذا ما طرقنا النقلة السياسية القوية من زاويتها الاقليمة والدولية خصوصا مع اقتراب نهاية المدة التي حددها وزير الخارجية الكويتي لأعضاء الوفدين المشاركين في مؤتمر بلاده بشأنهما .
الخطوة الذكية التي وصفتها الأطراف ألمناوئه في صورة مرتبكة ومتخبطة ب:”الانقلابية” و”الأحادية الجانب” أتت في سياق التأكيد على انجاح مشاورات الكويت والدفع بها نحو انجاز حل شامل ينهي فتيل الحرب ويحقق متطلبات الشعب اليمني في دولة يمنية حديثة تقوم على الشراكة والتعددية السياسية بين جميع اطياف العمل السياسي الوطني ومع انه تضمن فعليا العودة بالبلاد الى ماقبل العام 2011 حين اشار مرتين الى الالتزام بالدستور الدائم للجمهورية اليمنية بما يعني تعطيل الاعلان الدستوري الاخير لثورة 21 ايلول 2014 الا انه يظل اتفاقاً شكلياً معرضاً للانهيار في أي لحظة قد ينجم عنها اتفاقاً جوهرياً بين جميع الاطراف المتصارعة يقضي بعودة تلك العناصر الارتزاقية الى جادة صوابها والبدء بالمشاركة الفاعلة في بناء دولة العدالة والمواطنة المتساوية وبالشروط الذي يرتضيها الشعب اليمني وتحقق اقصى متطلباته المشروعة .
منذ انطلاق شرارة الثورة الشبابية الشعبية في فبراير 2011 تم تعطيل الدستور القائم وحلّت بديلا عنه الشرعية الثورية كخيار اجباري –قسري الا ان المحاولات الامريكية – السعودية التي سعت لمصادرة الحلم الشبابي بدولة مدنية عادلة عبر احزاب اللقاء المشترك وبعض الكيانات الرجعية الاخرى استطاعت ان تصيغ لليمنيين عقدا اجتماعا جديدا تم التوقيع عليه في الرياض امام وسائل الاعلام عُرف ” بالمبادرة الخليجية وآليتها المزمنة”، و لكن: ونتيجة لدخول البلد مستنقع آخر وتحديدا بعد انتهاء مؤتمر الحوار الوطني ونفاد المدة المحددة للمبادرة تم الاتفاق بين اطياف العمل السياسي على عقد اجتماعي آخر تمثل باتفاق “السلم والشراكة “، ثم اتت بعده الشرعية الثورية كخيار شعبوي- خصوصا بعد تنصل المخلوع هادي عن مهامه الرئاسية وتقديمه لاستقالته امام مجلس النواب، على ان هناك امر هام في مختلف المنعطفات السياسية التي مرت بها البلاد وهو أن الدستور اليمني الدائم للجمهورية اليمنية كان يحظى باحترام جميع الاطراف السياسية منذ ثورة 2011 والى اليوم ، ولم يحدث ان اُنتقد من احداها على الاقل باستثناء المشرّع الامريكي والفرنسي الذي سعى لاستبداله بدستور فيدرالي يقضي بتقسيم البلد الى كنتوتات صغيرة تضمن بقاءه المهيمن على القرار السياسي والسيادي .
ان العودة الى الدستور الدائم للجمهورية اليمنية تحمل رسائل سياسية استراتيجية – عميقة فهي الى جانب كونها قد وجهت ضربة قاصمة لرأس المشروع الامريكي – المتصهين ودستوره الفيدرالي – التأقلمي الخطير الذي ارادت امريكا تمريره عبر الرؤية الاممية للحل الذي تقدم بها ولد الشيخ قبيل اختتام الجولة الاولى من المفاوضات، كانت قد بعثت ايضاً بصفعة قوية الى وجه المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية التي تعمل اليوم المملكة السعودية لاعادها للواجهة عبر الورقة السعودية المقدمة وبالتالي قضت على أي مشاريع من شأنها تمزيق اليمن واعادته الى حضن الوصاية ، ومن هنا يمكن القول بأن الخطوة القوية التي اقدم عليها الجانبين ليست الا تكتيكا مرحلياً فرضته خيارات المرحلة السياسية التي تعصف بالبلاد وتتطلب توحيد الجهود الشعبية لمواجهة الغطرسة السعودية – الامريكية فالثورات عادة ماتمر بمنعطفات سياسية كهذه، ولكنها تبقى (ثورات) في مضمونها واشكالها واهدافها ومراحلها المتشعبة وتوقفها قليلا في احدى مراحلها الطويلة مرّة او مرتين او حتى ثلاث لايسمى تراجعاً او انتكاسة او عودة الى الصفر انما تكتيكاً –ذكياً يهدف لاستجماع القوى وترتيب الاوراق ، ونعتقد ومن خلال تجارب الماضي أنه: “مثلما كانت هناك حالة من التراضي الحوثي – الصالحي عقب الاعلان الدستوري الاخير (على الاقل لم يعارضه الصالحيون ) من يدري فقد نصحو يوما على اتفاق حوثي –صالحي آخر يقضي بالعودة للاعلان الدستوري واعادة اللجان الثورية والرقابية لعملها خصوصا في الجنوب اليمني الذي يمنع تواجدها الآن الحضور الاحتلالي المقيت فالعلاقة بين الجانبين متينة وهناك حالة من الثقة القوية بينهما ومن الصعوبة بمكان زلزلتها خصوصا بعد العملية التقاربية الأخيرة .