كل ما يجري من حولك

محاسبةُ الفاسدين

377

 

أحمد ناصر الشريف

بغضِّ النظرِ عن مواقف البعضِ منها ونقدهم القوي لها لما يرتكبه عددٌ من أعضائها من أخطاء؛ نتيجة لعدم خبرتهم الإدارية، بل وربما أن البعضَ منهم يتعمد أن يسيئَ إلى مكون أَنْصَــار الله بتصرفاته غير المسؤولة؛ لأنه في الأساس مدسوسٌ في اللجان من قبل هذا الطرف السياسي أو ذاك.. لكن يجب أن نعترفَ بأن ما يسمى باللجان الثورية التي تقومُ بمراقبة الأداء المالي والإداري في الوزارات والمُؤَسّـسات والمصالح الحكومية وبعض مُؤَسّـسات القطاع الخاص لا يختلف عملها على الإطلاق عن تلك اللجان التي شكلها الشهيد إبراهيم الحمدي رحمه الله في منتصف السبعينيات من القرن الماضي، وسميت بلجان التصحيح الإداري والمالي برئاسة المناضل حسين المقدمي رحمه الله.. وكانت تلك اللجان من العوامل الرئيسية التي أدّت إلى التآمر على إبراهيم الحمدي والانقلاب عليه وعلى حكمه وتم إلغاؤها وتحويل مقرها الرئيسي في صنعاء إلى مقر للجنة الدائمة للمؤتمر الشعبي العام.

وأنا أتابع ما تقوم به اللجان الثورية من كشف للفساد والفاسدين – كان يتم التستر عليهم في الفترة السابقة وكيف يتم مقاومة عملها وانتقاده بشدة بحُجة أنها تتدخل في مهام الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة والهيئة الوطنية العلياء لمكافحة الفساد- تذكرت ما حدثني به قائد عسكري كبير سبق له أن تولى قيادة الحرس الجمهوري في عهد القاضي عبدالرحمن الأرياني رئيس المجلس الجمهوري الأسبق رحمه الله حيث قال: كلفني الشهيد إبراهيم الحمدي على رأس لجنة للتصحيح الإداري والمالي للتأكد من صحة البلاغات الواردة حول وجود أسماء وهمية في ألوية القوات المسلحة والفساد الذي يمارسه القادة العسكريون ورفع تقارير حول ذلك لاتخاذ إجراءات بتصحيحهما.. ولكن بمجرد ما كنا نصل إلى بوابة أي معسكر نريد الدخول إليه حتى كانت تغلق أبوابه في وجه اللجنة لمنعها من الدخول بتعليمات من قائده ما عدا معسكر واحد كان يقوده العميد مجاهد أبو شوارب رحمه الله وقد أخذ علي تعهدا بأن أعامله كما أعامل المعسكرات الأُخْــرَى في حالة السماح لنا بدخولها.. وفعلاً فقد اكتشفنا أسماء وهمية وفساد إدارياً ومالياً كبيراً ونتيجة لما سيترتب على ذلك من إجراءات فقد كان بعض قادة المعسكرات يأمرون الجنود بإطلاق النار علينا لتخويفنا فعدنا بخفي حنين وأفشلوا مهمتنا.. وقد أدى هذا التوجه للشهيد الحمدي رحمه الله بتصحيح الفساد في معسكرات القوات المسلحة إلى تحول قادة الألوية المستفيدين من هذه الظاهرة إلى الالتفاف حول نائب القائد العام رئيس هيئة الأركان العامة حينها المقدم أحمد الغشمي الذي كان يعمل على كسب ولاء القادة له بأية طريقة ويسمح لهم بممارسة الفساد الإداري والمالي في معسكراتهم.. وقد أثبتت حادثة اغتيال الشهيد الحمدي واخاه عبدالله قائد قوات العمالقة هذه الحقيقة حيث لم يقم أي قائد عسكري بالتَحَـرّك للثأر لهما أَوْ على الأقل الاعتراض على هذه الجريمة الشنيعة بما في ذلك قادة مقربون من الحمدي مثل المقدم عبدالله عبدالعالم عضو مجلس القيادة قائد قوات المظلات والمقدم مجاهد القهالي قائد معسكر في عمران وكذلك القادة الناصريون الذين كان يزعمون أن الشهيد الحمدي ينتمي فكريا إلى تيارهم واتهموا السعودية التي يرضعوا اليوم من حليبها بقتله لم يتَحَـرّكوا وإنما وقفوا إلى جانب الرئيس الغشمي ودعموه ولم يتمرد عبدالله عبدالعالم ضد الرئيس الغشمي إلا بعد أن وجد نفسَه قد فقد سلطته بعد أن أَصْبَح المقدم أحمد الغشمي رئيساً للجمهورية وحلَّ مجلس القيادة.. وقد سار على هذا النهج الموصل لطريق الفساد من تسلموا حكم اليمن بعد مقتل الشهيد الحمدي ومن بعده الرئيس أحمد الغشمي حيث صار الفساد هو القاعدة وما عداه هو الاستثناء وذلك ضماناً لكسب ولاء القادة والنافذين من المشايخ والوجاهات حتى أَصْبَح نصفُ الجيش الذي تم بناؤه أسماء وهمية يتقاسمها هؤلاء فيما بينهم إلى اليوم ويتقاضون مرتباتهم الشهرية التي تكلف خزينة الدولة عشرات المليارات من الريالات تذهب جميعها إلى جيوبهم.

وحينما قامت ما تسمى اللجان الثورية مؤخراً بإماطة اللثام عن حقائق كان يتم التستر عليها قامت الدنيا عليهم ولم تقعد من قبل المتضررين الذين اعتبروا هذا التصرف تعديا على دور الأجهزة الرقابية التي لم يعد منها سوى اسمها بدليل أنه منذ أكثر من ثلاثة عقود لم يقدم فاسداً واحداً للمحاسبة ومازِلت أتذكر ما قاله لي الأستاذ أحمد محمد الإرياني رحمه الله، حيث كان من أنشط مَن تولوا رئاسة الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة وكان هدفه أن تكون مرجعيته مجلس النواب وليس رئاسة الجمهورية.. فقد سألته: لماذا لا تتم إحالة ملفات قضايا الفساد إلى النيابة مباشرة من قبل الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة لتأخذ مثل هذه القضايا مجراها الطبيعي؟ فرد عليّ قائلاً: هم لا يريدون أن تكون الأمور على هذا النحو وإنما يريدون أن ترفع الملفات من قِبلنا إلى رئاسة الجمهورية وهناك تحفظ لديهم في أرشيفهم ليتم تهديد أصحابها بها وأخذها عليهم كنقاط ضعف تخضعهم للسمع والطاعة وتنفيذ ما يوجه إليهم من تعليمات دون اعتراض حتى لو كانت مخالفة للأنظمة والقوانين.. وعندما يتم إحالة ملفات قضايا فساد إلى النيابة تتعلق بموظفين صغار فما ذلك إلا لذر الرماد في العيون لإثبات أن الجهاز المركزي يقوم بعمله على أكمل وجه.. ولأن الأستاذ أحمد الإرياني كان مصراً على ربط الجهاز بمجلس النواب فقد داهمه المرض فجأة وأسعف إلى الخارج للعلاج وظل يعاني حتى توفاه الله وهو ما يجعلني اشك بأن وفاته كانت غير طبيعية. ومن هنا جاء الانزعاج الكبير من عمل اللجان الثورية الذي يعتبره المتضررون تدخلاً في شؤون أجهزة الدولة والحلول محلها فيقومون بمقاومته بشتى الطرق والأساليب وَأن كنا لا نقر أبداً ممارسة البعض لأخطاء متعمدة ينبغي أن يكونوا أول مَن يحاسَبوا عليها وتقديمهم للمحاكمة قبل تقديم الفاسدين.

You might also like