العقلُ السليمُ في القلب السليم
نوح جلاس
منذُ فترة طويلة ونحنُ نتلقى ثقافاتٍ خاطئةً وأيديولوجيات تعبوية تسبّبت في نقص الوعي المطلوب منا كي نتَحَـرّك في الطريق الصحيح، مما أدى إلى ضياع المشروع الحقيقي من بين أيدينا، ومنها “العقل السليم في الجسم السليم” وهذا غير صحيح؛ لأنه لا يشترط في وجود عقل سليم وواعٍ وجود جسم سليم، فكم هناك من أشخاص نوابغ وفائقي الذكاء وقمة عالية في الوعي لديهم عاهاتٌ خلقية أَوْ لديهم مشاكل صحية أَوْ جسدية وغيرها، وهناك رأينا ذوي الاحتياجات الخَاصَّــة وهم يعانون من أمراض جسدية ووجدناهم أذكياء ويحملون عقلاً فطناً ولديهم مهارات تطبيقية وَنظرية عالية، وهناك العديد والعديد من العلماء المشاهير سواء على المستوى العلمي أَوْ الأدبي أَوْ الفكري كانوا يعانون من العديد من الأمراض ومع ذلك أَصْبَحوا من قادة العلم والفكر في مجتمعاتهم، ولكن لو كان صحيحاً أن “العقل السليم في الجسم السليم” لكانت هذه الفئة من الناس يعانون من تخلف عقلي أَوْ إن صح القول لديهم حالة من فقدان العقل “الجنون” ولم يستطيعوا عمل أي شيء، ولكن لأن مصدر التفكير والوعي والبصيرة هو القلب استطاعوا أن يكونوا كذلك.
وما نود الإشارة إليه هو لو أننا تلقينا ثقافة “العقل السليم في القلب السليم” لتَحَـرّكنا كي ننمي قلوبنا ونطهّرها ونعمل كُلّ شيء كي تكون سليمة، ولا سيما أن سلامة القلب لا تتحقق إلا بذكر الله والابتعاد عن الملهيات، أي بالارتباط الصحيح بالله عز وجل.
ومعنى أنك مرتبط بالله هو أنك تخلص في كُلّ شيء لله سبحانه وتعالى، وإذا أَصْبَحت قلوبنا سليمة يعني أن فكرنا ووعينا وتفكيرنا كله يمشي في الطريق الصحيح وأننا سوف نمضي في الطريق الصحيح للرقي في حياتنا والرقي بمجتمعاتنا في جميع النواحي وسوف نقود الأُمَّــة علمياً وعملياً في الطريق السوي.
ولكن عندما صدقنا أن “العقل السليم في الجسم السليم” ظلينا في البحث عن الأشياء لتنمية أجسامنا فتَحَـرّكنا كي نستخدم الأغذية التي دلونا عليها وذهبنا كي نتعاطى الفيتامينات المناسبة وتَحَـرّكنا في إجراء التمارين والرياضات و… إلخ، ونسينا أن معظم أصحاب الأجسام السليمة أَصْبَحوا حضيضاً في الانحطاط المعيشي على جميع النواحي، لماذا هم هكذا؟ أليست أجسامهم سليمة؟ أين العقول السليمة طالما وأجسامهم سليمة؟.
ختاماً، هناك حقيقة لا أحد يستطيع الخوض فيها، هي أن عقلنا سيكون سليماً إذا عملنا على إنارة وتصحيح قلوبنا، لا إذا عملنا على تصحيح أجسامنا فقط، فالقلب هو مصدر الإرشاد والإلهام والهداية والوعي والبصيرة وهو المصباح الذي يضيء لنا كُلّ الظُّلَم، لذلك إذا أردنا تصحيحَ أجسامنا وعقولنا يجب أن نتبع هذه الثقافة الصحيحة والتَّحَـرُّك في احتياجاتها ورؤيتها وغاياتها وأَهْدَافها، وهي ثقافة “العقل السليم في القلب السليم” وسوف تكون أجسامنا وعقولنا وقلوبنا سليمة، وبهذا نكون قد وصلنا إلى الهدف الذي يضمن لنا العيش الكريم والارتقاء بحياتنا في الدنيا، وَكذلك السلامة في الآخرة، قال تعالى (يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلبٍ سليم)..