الوحدةُ اليمنية في عيدها السادس والعشرين..
فك الارتباط لكن بطريقة أُخْــرَى!
عبدالملك العجري
يحتقلُ اليمنيون اليومَ بمرور العيد الـ26 للوَحْــدَة اليمنية وسيفُ العُـــدْوَان لا زال مشهوراً فوق رؤوسِهم ومشاوراتُ الكويت لا تزالُ متعثرةً، وأزمةُ الوَحْــدَةِ نفسِها في أَكثرِ مراحلها حَرَجاً؛ بفعل العُـــدْوَان الذي فاقَمَ من التعقيدات السياسية والأمنية والحقوقية المتراكمة والمتناسلة التي تُحيطُ بها والتي أدَّت مضعفاتِها النفسية والاجتماعية إلى تحويلِ قضية الوَحْــدَة من قضية إجماع شعبي ووطنيّ إلى موضوعةٍ انقساميةٍ على المستوى الشعبي ومثيرةٍ لجَـدَل لا يتوقف بين ا لنخبة السياسية ومحفزة لصراعات عسكرية وأمنية دامية.
في الكلمةِ التي ألقاها رئيسُ المجلس السياسي لأنصار الله صالح الصمّاد بهذه المناسبة أمام الحفل الجماهيري الذي عُقد في ميدان السبعين في العاصمة اليمنية صنعاء أشار إلى أن أَزْمَــةَ الوَحْــدَة تأتي في سياق الأَزْمَــة اليمنية، وَأَضاف “إن فشلَ النظام السياسي لدولة الوَحْــدَة في تحويل مشروع الوَحْــدَة من حالة شعبية عاطفية ووطنية إلى مشروع سياسي، يتجسّدُ في دولة تتجاوز النظامَين السابقين إلى نظام سياسي ديمقراطي يعبر عن الكيان الحضاري والثقافي في كيان واحد جامع بعيداً عن مفاهيم الضم والألحاق والغلبة أَوْ بالتحريض على الوَحْــدَة وتحميلها مسؤولية الأَزْمَــة”.
ما أشار إليه الصماد هو السياق الطبيعي للأزمة إِلَّا أن التعالُقَ القريبَ بين أَزْمَــة الوَحْــدَة وبروز القضية الجنوبية ولد استجابة شرطية سلبية تربط أَزْمَــة الجنوب بالوَحْــدَة وتضخمت لحد اعمت القدرة على رؤية الأَسْبَاب الاعمق للازمة اليمنية ومنها القضية الجنوبية والمتمثل في أَزْمَــة الدولة.
ولهذه الأَسْبَاب لم يعد يجدُ معظم الجنوبيين في الوَحْــدَة ما يثير حماسهم للتمسك بها وتربط كلمة الوَحْــدَة في الوجدان الجنوبي بعارِ الهزيمة والانكسار كاثر من آثار حرب 94م والانسحاق تحت وطأة الأَكثرية الشمالية، ويشعر طيفٌ واسع من الجنوبيين أن الخلاصَ من هذه المشاعر وإعَادَة الاعتبار للذات الجنوبية لن يكون إِلَّا بالخلاص من الوَحْــدَة خَاصَّــة مع بقاء أركان النظام السياسي الذي هزمهم في 94 فاعلين ومؤثرين في المشهد السياسي يذكرونهم بالهزيمة.
وتتلبسهم مخاوفُ أن استمرار الوَحْــدَة يعني استمرارَ سيطرة الشمال؛ نظراً للتركيبة الديمغرافية لليمن التي تميل لصالح استمرار سيطرة الشمال خَاصَّــة في ظل غياب تام لأية رؤية ناجزة ترضى الجنوب وتحصل على تأييد القوى الشمالية.
وَمع أن القضية الجنوبية كانت القضية الأبرز والأهم لمؤتمر الحوار الوطني، إِلَّا أنه فشل في جلب نخبة جنوبية ممثلة لفئاتِ الجنوبيين ومكوناتهم السياسية وقادرة على إقناع الشارع الجنوبي وحشد تأييده لرؤيتها للحل.
وَفشل مؤتمر الحوار الوطني مرة أُخْــرَى في إيجاد صيغة مقبولة للوَحْــدَة ترضي الجنوب وتحظي بدعم حقيقي من القوى في الشمال، تقوم على التمثيل العادل الذي يوازن بين الجغرافيا والسكان بما يحافظ على التركيبة المتنوعة للشخصية اليمنية ولا يسمح بطغيان الأَكثرية.
لكن الصمّادَ في كلمته يرى “أنه كما كانت فكرة الوَحْــدَة أَوْ حمايتها بالحرب خطأ فإن تحميلَ الوَحْــدَة مسؤولية أَزْمَــة اليمن وأزمة الجنوب خطأٌ لا يقل عن الخطأ الأول…” لذا فإن أولى الخطوات في طريق حل القضية الجنوبية هي فكّ الارتباط، ليس بين الشمال والجنوب بل بين القضية الجنوبية والوَحْــدَة وإعَادَة الأَزْمَــة لسببها الحقيقي لا الظاهري والمتمثل في أَزْمَــة الدولة. البحث عن الحَـلّ مرتبط بالبحث عن المشروع السياسي الأمثل والأَكثر نضجاً والذي يتجسَّدُ في دولة تتجاوز النظامين السابقين إلى نظام سياسي ديمقراطي يعبر عن الكيان الحضاري والثقافي الجامع البعيد عن مفاهيم الضم والالحاق والغلبة، والبعيد أَيْضاً عن التحريض على الوَحْــدَة ولا تحميلها كُلّ الأوزار والأزمات، وعلى حَـدّ الصماد حلها يجب أن يكونَ في إطار الأَزْمَــة اليمنية الشاملة، وإصلاح مسار الوَحْــدَة من خلال حوار وطني جادّ ومسؤول، وبمشاركة جنوبية حقيقية تتجاوز سياسة التمثيل الجنوبي غير الناضج.