المفاوضات وطريق السلام
ياسر الوزير
هناك من الناس من يرَون في المؤسسات الدولية وعلى رأسها الأُمَـم المتحدة جهاتٍ محايدةً هَــمُّها نشْرُ السلام والأمن والمحبة في ربوع الأَرْض، ويعقدون آمالَهم في الخروج من أيَّة محنة أَوْ معاناةٍ عليها، وهذا ما نرى عليه بعض الـيَـمَـنيين الذين ما زالوا يرتجون من تلك الجهاتِ الخيرَ أَوْ أن يكون لها دور حقيقي في إيقاف العُـدْوَان الظالم على الـيَـمَـن، وعندما جاء الحديثُ عن مؤتمر في جنيف برعاية الأُمَـم المتحدة لإجراء مشاورات يمنية فهناك من تطلّع لذلك وظنّ أن العُـدْوَان الدولي على الـيَـمَـن ستكون نهايته من جنيف، ورغم أن نتائج المؤتمر كانت مخيّبةً للآمال وظهر فيها ما يمكن وصفه على أقل تقدير بعجز المؤسسة الدولية التي لم تفرِضْ الموعدَ الذي حدّده أمينها العام لبدء المشاورات، ثم لم توقف العرقلة التي تعرض لها وفدُ المكونات السياسية المنطلق من صنعاء.
ورغم هذه الصورة التي خرجنا بها من الأُمَـم المتحدة فإن هناك من لا يزال مراهناً على أن يكون لها الدور في إيقاف المعاناة التي يمر بها الـيَـمَـنيون منذ أَكْثَـر من عام، وهنا أود أن أقول إن هناك فرقاً بين التعاطي الإيجابي مع الأُمَـم المتحدة وغيرها من الجهات الدولية غير المعادية وبين عقد الآمال على تلك الجهات والاعتقاد بأن مصيرَنا بأيديها هي التي تحدده.
ولذلك أسأل لو أن هذه الجهات فعلاً تهتم لأمر الناس ولنشر السلام والأمن فأين موقفها من العُـدْوَان غير المسبوق الذي تشنه دول العُـدْوَان ضد الـيَـمَـن منذ أَكْثَـر من عام؟ أين موقفها من قصف الطيران السعودي للمدنيين وللنساء والأَطْـفَال والصغار والكبار في كُلّ مكان حتى في منازلهم وهم نائمون؟ لماذا لم نسمع لها تنديداً على تدمير البُنية التحتية في الـيَـمَـن واستهداف المصانع والمخازن والمحطات والمصافي وحتى المتاحف؟.
لن أسألَ عن موقفها من استهدافِ الجيشِ الـيَـمَـني وضرب بُنيته التحتية والقصف الجُنوني لمخازن الأسلحة في عطان ونقم وغيرهما – والذي أَدَّى لتدمير أحياء سكنية – فإن ذلك قد يمكن أن نفهم أنهم يعتبرونه جزءاً من الحرب (مع أنه غير مبرر بأي حال من الأحوال؛ لأن سلاح الجيش الـيَـمَـني هذا لم يتوجه أبداً ضد السعودية أَوْ غيرها والذي جرى في الحقيقة هو عُـدْوَان همَجي ظالم)، لن أسأل عن ذلك الاستهداف للقوات المسلحة الـيَـمَـنية والذي يهدفُ لإبقاء الشعب الـيَـمَـني شعباً أعزلَ لا يتمكن من رد معتدٍ عن بلاده، ولكني أسأل عن استهداف الأَطْـفَال وهم نائمون في أسرّتهم، أسأل عن تدمير مقومات الاقتصاد الـيَـمَـني، عن الحصار المفروض على الـيَـمَـنيين كُلّ الـيَـمَـنيين براً وبحراً وجواً والذي أوقف الحركة والحياة في الـيَـمَـن أَوْ كاد، أين موقف الأُمَـم المتحدة والمنظمات الدولية وغيرها من القوى الدولية من ذلك كله؟ لم نسمع عن مجرد موقف لائق من ذلك كله ناهيكم عن التدخل الحازم لإيقافه.
وليس هذه هي المرة الأوْلَـى التي تصمت فيها هذه المؤسسات الدولية، بل هكذا كان موقفها في فلسطين وعلى مدى عقود من الزمن وهكذا كان موقفها في العراق وفي أفغانستان وفي غيرها من دول العالم التي تنتحب من آلام الظلم، وفي هذا يتحدث السيدُ حسين بدر الحوثي في سياق حديثه عن جرائم اليهود في ملزمة (يوم القدس العالمي): “تراهم يضربون كما يشاءون في أي موقع في البلاد العربية، يضربون داخل فلسطين كما يريدون، وحتى وإن كان زعماء العرب مجتمعين في أية عاصمة من عواصمهم، وعلى مرأى ومسمع من جامعة الدول العربية، وعلى مرأى من مجلس الأمن وعلى مرأى ومسمع من الأُمَـم المتحدة.”
إنَّ هذا يؤكد أن هذهِ المؤسساتِ ليست سوى واجهاتٍ وُضعت لتمرير أجندات سياسية تخدُمُ المستكبرين في هذه الأَرْض وتحقق أَهْـدَافهم، ولا تأبه لأمر المستضعفين.
ولذلك فإن رهاننا يجب أن يكون على الله وعلى أنفسنا بما هيّأه الله لنا من إمْكَانيات مهما كانت بسيطةً فإنها من يمكنها أن تجبر الدول المعتدية والمتواطئة وكل من تستر على أن يعملوا على إيقاف العُـدْوَان.
إن هذا العالم المستكبر الذي نعيش فيه لا يفهم غيرَ لغة القوة، وعندما نفسح المجال للسلاح لكي يتحدث ويسمع المعتدي خطابه فمن هناك سيأتي الحل وسيبحث المعتدون عن المخرج بجدية.
قد تكون إمْكَانياتنا متواضعة ولكن لها أثرها وأهم ما نعتمد عليه بعد الله سبحانه في مواجهة هذا العُـدْوَان هو الصبر والصُّـمُـوْد فعلى صخرته ستتحطم بإذن الله كُلّ جرائم الظلمة والمعتدين (يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).