إجتماع الكويت.. يا جنازة ارحبي فوق الأموات!!
أحمد ناصر الشريف
إذا ما صدقت النياتُ وعُقِدَ اجتماعُ الكويت تحتَ رعاية الأُمَـم المتحدة التي فقدت دورَها الحيادي وأَصْبَـحت خاضعةً لإرَادَة الدول الكبرى وخَـاصَّـة الولايات المتحدة الأَمريكية، والمقرر عقدُه بتأريخ 18 إبريل الجاري، فلا نعتقد أنه سيخرج بشيء إيجابي ينهي العُـدْوَان الذي يتعرض له الشعب الـيَـمَـني منذ أَكْثَـر من عام والتي تشارك فيه أَكْثَـر من خمسٍ وثلاثين دولة بشكل مباشر وغير مباشر وإن كان الغريق يتمسك بقشة – كما يقال – عله ينقذ نفسَه من الغرق فَإن أملنا كيمنيين في نجاح هذا الاجتماع ضعيف جداً، بحكم ما مررنا به من تجارب عندما نجلس مع بعضنا؛ بهدف حل مشاكلنا وقضايانا المعقدة..
ومن المؤسف أَن الـيَـمَـنيين لا يتفقون فيما بينهم إلَّا عبر واسطة من الخارج، وهذا يقلّل من قُدرتهم في الاستقلال بقرارهم الوطني، لا سيما وأن معظم الاجتماعات والمؤتمرات التي كانت تُعقد في السابق لحل مشاكل الـيَـمَـن كانت تتم برعاية خارجية.. ومع ذلك لم تكن تنفذ قراراتُها وتوصياتها وإنما كان يتم الالتفاف عليها وحبر التوقيع لم يجف بعدُ.. وأكبر مثال وثيقة العهد والاتفاق التي تم التوقيع عليها في عمّان بالأردن من قبل مختلف القوى السياسية الـيَـمَـنية وكانت كفيلة بإخْرَاج الـيَـمَـن من أزمتها ولكنها ماتت بعد ولادتها مباشرة.
وبدلَ ما تُنفذ بنود وثيقة العهد والاتفاق على أرض الواقع حل محلها ما عُرف بحرب صيف 1994م المشؤومة والتي ما تزال تداعياتُها تلاحق الـيَـمَـنيين حتى اليوم رغم مرور أَكْثَـر من عشرين عاماً على حدوثها ولم نستفد من عِبَرِها ودروسها تجنباً لتكرار ما حدث عام 1994م.
في الدول والشعوب المتحضرة يتم التنافُسُ بين القوى السياسية عند وصولها إلَى السلطة على خدمة قضايا الأوطان وكسب ثقة الشعوب؛ لأنهم ينظرون إلَى السلطة كمغرم وليس مغنماً، كما هو حادث عندنا في الـيَـمَـن، حيث يتم التنافس على الكسب الذاتي والتقاسم والمحاصَصة وتوظيف الأقارب والأتباع والأَنْصَـار، وهذا ما جعلنا نتأخر إلَى الوراء ولا نلحق بركب التقدم الذي يحققه الآخرون.
وفي الوقت الذي تتقدم فيه دولٌ وشعوبٌ إلَى الأمام كنا نعتقد أننا قد سبقناها بأشواط طويلة وتفوقنا عليها في مجالات عدة.. لكن سوء الإدَارَة الذي لازم تصرُّفات من أتيحت لهم الفرصة لإدَارَة شؤون الحكم وافتقارهم لمشروع بناء الدولة الحديثة أعاد عَجَلة تقدُّمِنا إلَى الخلف، وجعلها تتوقف لا تقوى على الحركة، فبتنا نندب حظنا العاثر ونحن قادرون لو حسنت النيات أن نخرجَ من هذا الوضع المؤلم، والسببُ هو أن القوى السياسية في الـيَـمَـن تنظر إلَى السلطة وكأنها قد أَصْبَـحت بالنسبة لها كالداء العضال الذي لا يمكن أن يفارق من أصيب به إلَّا في القبر.
ماذا لو أن هذه القوى السياسية – خَـاصَّـةً تلك التي تدّعي الوطنية وترفع شعارات براقة توحي بأنها مع الشعب والوطن وفي خدمة قضاياهما بينما هي أثبتت من خلال تواجدها في السلطة بعد احداث 2011م أَوْ ما عرف حينها بثورات الربيع العربي عكس ما تقوله تماماً وانما كانت بشعاراتها الرنانة تدغدغ عواطف العامة ولا تهتم إلَّا بنفسها وتسخر كُلّ شيء لخدمة مصالحها الخَـاصَّـة – تتنازل قليلاً وتعطي فرصة للكفاءات الوطنية وما أَكْثَـرها في الـيَـمَـن حتى داخل هذه القوى نفسها التي استأثرت بالسلطة وتعتقد أنها لو خرجت منها ستموت مثل السمك بعد خروجه من الماء وأَصْبَـحت اليوم تصطف بجانب العُـدْوَان ناسية كُلّ تلك الشعارات التي كانت ترفعها وتتغنى بها في وجه من كانت تعتقدُهم قوىً رجعيةً وإمبريالية وأَصْبَـحت اليوم مرتمية في أحضانها.. وليس عيباً أن يضحي الإِنْسَـان من أجل وطنه وخدمة شعبه ويؤرشف لنفسه في ذاكرة التأريخ الوطني ما تحفظه له الأجيال اللاحقة من مجد يُنسب إليه لتتذكره به وتجعل منه قدوة ومثلاً كما هو حال الرئيسين الشهيدين إبراهيم محمد الحمدي، وسالم ربيّع علي، رحمهما الله اللذين نذرا نفسيهما للوطن الـيَـمَـني في الشمال والجنوب وحققا في فترة قصيرة – بحُكم ما يمتلكانه من رؤية سياسية حكيمة ومشروع دولة – ما لم يستطع تحقيقه من جاء قبلهما إلَى الحكم ولا من جاء بعدهما.
ورغم أن هذين القائدين الكبيرين قد عوقبا على توجّههما الوطني بالقتل وإجهاض مشروعهما، حيث تم التخلص منهما خلال ثمانية أشهر وتم التعتيم عمداً على ما حققاه للشعب الـيَـمَـني من انجازات عظيمة جعلت الـيَـمَـنيين يعيشون في ظل عهديهما وهم مرفوعو الرؤوس في الداخل والخارج وكان للـيَـمَـن حضورُها العربي والدولي، إلَّا أنهما سيظلان خالدين في ذاكرة الأجيال جيلاً بعد جيل لما تميّزت فترة حكمهما من صدق في التوجه نحو بناء دولة حديثة وقوية تكفل المواطَنة المتساوية وتحقق العدل للجميع خَـاصَّـة بعد أن جعلا من نفسيهما قدوة ومثلاً يُحتذى به ولم يستأثرا بالسلطة كما حصل بعدهما، حيث تم تمكين الأقارب والأصهار والأرحام والفاسدين ليتسلطوا على رقاب أَبْنَاء الشعب الـيَـمَـني وينهبوا خيراته وثرواته، ولولا قيام ثورة 21 سبتمبر الشعبية عام 2014م وإلا لكان الـيَـمَـن قد أَصْبَـح إقطاعية تتحكم فيها الإدَارَة الأَمريكية عبر أداتها الطيعة في المنطقة ممثلة في النظام السعودي العميل.
وإن كان ما يحدث اليوم على الساحة الوطنية من تفاعل شعبي ومتغيرات جديدة ومواجهة لعُـدْوَان بربري غاشم لم يشهد له التأريخ مثيلاً ستحدث بلا شك صحوة قوية وإن كانت متأخرة لعودة الوعي الوطني إلَى ذاكرة الـيَـمَـنيين جميعاً فيقومون بتصحيح مسار كفاحهم ونضالهم الطويلين من أجل تحقيق الأَهْـدَاف النبيلة لثورتي: (سبتمبر وأكتوبر) المجيدتين التي تم تجميدها وَتحويلها إلَى شعار فقط ليزايد به البعض ويستغلوه في الإعْـلَام لدغدغة عواطف المواطنين للتصفيق لهم ولم يُنفذ من هذه الأَهْـدَاف شيءٌ على أرض الواقع..
ونعتقد أن ما حدث يوم 21 سبتمبر 2014م من ثورة شعبية أسقطت رموز الفساد والقوى المعطلة لبناء الدولة القوية الحديثة إلَّا خطوة أوْلَـى في طريق تصحيح كُلّ الأَوْضَـاع التي نعيشها اليوم والتغلب على تعقيداتها، وحينما تتوافر الإرَادَة الحرة وحُسن النية للتنفيذ لا يوجد شيء اسمه مستحيل.