أَمريكا في طريقها للتخلي عن آل سعود والنظُم الخليجية وتركهم للمجهول ( تقرير )
أوباما يرفض وصف آل سعود بالأصدقاء ويتهمهم بتصدير الإرهاب
متابعات../
كان وما يزالُ ثابتاً في الوعي أن المخطَّطَ الأَمريكيَّ لتقسيمِ المنطقة في إطار (الشرق الأوسط الجديد) الذي يسعى إلَـى إعادة تشكيل المنطقة على أُسُس طائفية وعرقية يشمَلُ السعودية، وكان ذلك معروفاً لدى الكثير، فيما يبدو أن النظام السعودي هو الوحيد الذي لم يدرك ذلك رغم أنه معنيٌّ بالأمر إلا أنه ظَنَّ أن تحالفه المصيري مع الولايات المتحدة سيجعلُ منه استثناء.
ولم يضعِ النظامُ السعودي في حُسبانه أن ارتباطه بواشنطن محكومٌ بمصالح أَمريكا في المنطقة وإذا انتهت تلك المصلحة تنتهي الحاجة إلَـى السعودية، وهو ما ظهر جلياً في إجابات الرئيس الأَمريكي باراك أوباما في اللقاء الذي أجرته معه مجلة “ذي اتلانتك” الأَمريكية الخميس الماضي، وضمن ما قاله إن أَمريكا يجبُ أن تركّزُ في المرحلة القادمة على القارة الآسيوية؛ باعتبارها الوجهةَ الأنسبَ لواشنطن، ولكن أبرز ما قاله يتعلق بالاتهامات التي وجَّهَها للنظام السعودي، وأعطت إشارة إلَـى أن واشنطن في طريقها للتخلي عن آل سعود.
وقبل تناول ما قاله الرئيس الأَمريكي في المقابلة قد يسأل البعضُ: لماذا تتمسك واشنطن بمشروع الشرق الأوسط الجديد إذا كانت ستغيّر وجهتها وتدير ظهرها المنطقة؟ وهنا يجبُ التنويهُ إلَـى أنه وإذا انتهت مصالح أَمريكا الاقتصادية في المنطقة يبقى لديها الكيان الإسرائيلي وضمان مستقبله في المنطقة والذي لا يتحقق إلا بتقسيمها ضمن الشرق الأوسط الجديد.
وبالعودة للمقابلة التي أجراها توماس فريدمان مع أوباما ونشرت في 83 صفحة اتهم فيها الرئيسُ الأَمريكي المملكةَ السعودية بنشر التطرف، وحدد ذلك بنشر الوهابية عندما شرح كيف تحوّلت أندونيسيا من دولة مسلمة متسامحة إلَـى دولة أكثر تطرُّفاً، وشرح سبب ذلك بالقول: “لأن السعودية وغيرها من الدول الخليجية ترسل الأموال وعدداً كبيراً من الأئمة والمدرّسين (الإسْـلَاميين) إلَـى البلد”. وأضاف: “في عام 1990، موّلت السعودية المدارس الوهابية بشكل كبير، وأقامت دورات لتدريس الرؤية المتطرفة للإسْـلَام، والمفضّلة لدى العائلة المالكة”.
ويبدو أن أوباما الذي يقضي شهورَه الأخيرة في البيت الأبيض يريدُ أن يحدِّدَ للإدارة القادمة بعضَ النقاط للتعامل معها وخاصة إدارة الظهر للشرق الأوسط مع التأكيد على تطرف النظام السعودي، ويبدو أن ما دفعه لذلك هو تزايُدُ الضغوط من قبل المنظمات التي قالت أكثر من مرة إن علاقة واشنطن مع السعودية تمثل نوعاً من العار؛ نظراً للقمع الذي يمارسه النظام السعودي ودكتاتوريته وما يتعلق بحقوق الإنسان التي تتنافى مع (المبادئ الأَمريكية) وقد تضاعفت تلك الضغوط مع الدعم الذي تقدمه واشنطن للنظام السعودي عَسْكرياً ولوجيسيتاً وسياسياً في عُـدْوَانه على الـيَـمَـن.
وما يثيرُ الانتباهُ أنه وفيما تعد السعودية حليفاً رئيسياً لأَمريكا ولم يتغير ذلك مطلقاً بتعاقب الرؤساء في البيت الأبيض، ولكن أوباما في هذه المقابلة يرفض اعتبار السعودية دولة صديقة بشكل واضح عندما أجاب على سؤال يقول: “أليس السعوديون أصدقاءَكم؟” فيجيب بالقول: “الأمر معقّد”. هكذا أصبحت الإدارة الأَمريكية لا تملك إجابة محددة عن علاقتها بالنظام السعودي.
وفي المقابلة ذاتها أفرغ أوباما كثيراً من حمولاته تجاه النظام السعودي عندما قال “بأن السعودية لا يمكن أن تتقدم مطلقاً باضطهادها لنصف تعداد سكانها ولمح إلَـى مصر عندما قال إن على مصر والسعودية أن تتوقفا عن التسامح مع الفساد واضطهاد شعوبهما، وقمع معارضيهما إذا أرادتا أن تحققا الرخاء والاستقرار لشعوبها”.
عندما أعلن السفيرُ السعودي من واشنطن عن شن العُـدْوَان على الـيَـمَـن سارع البيت الأبيض لإصْــدَار بيان يؤكد أن أوباما اعطى الضوء الأخضر لتقديم الدعم اللوجيستي للتحالف السعودي مؤكد تأييد بلاده للعُـدْوَان، لكن كثير من المراقبين أكدوا أن الإدارة الأَمريكية تدفع بالنظام السعودي نحو الغرق المباشر في مستنقع الـيَـمَـن إلَـى جانب غرقها في سوريا بما يؤدي في نهاية المطاف إلَـى تفكيك السعودية وفق ما يريد الأَمريكيون ووافق الكثير على هذا الطرح وأيدوه إلا النظام السعودي في عهد سلمان الذي يصفه الإعلام الغربي (بالرجل الخرف) ونجله الموصوف (بالطائش والمتعجرف) والذين بعهدهم شهدت المملكة نظاما مندفعاً مختلفاً عن سياسة الملوك الذين سبقوهم إلَـى العرش.
ويقلب الرئيسُ الأَمريكي الطاولة على السعوديين وعكس ما يقال بأن أَمريكا دفعت السعودية للغرق في ملفات المنطقة والـيَـمَـن خصوصاً بالحرب المباشرة يقول أوباما إن السعودية ودول أخرى هي التي تدفع واشنطن إلَـى الحروب عندما قال: “هناك دول جانحة من حلفاء أَمريكا بمحاولة جر بلاده إلَـى حروب طائفية طاحنة لا مصلحة لها فيها، واكد أن بلاده لن تنجر إلَـى هذه الحروب”.
وتأكيداً لارتباط واشنطن بالمنطقة لما تملكه من ثروات وانتهاء الحاجة إليها سيجعل البيت الأبيض يتخلى عن حاجته لحلفائه وبينهم النظام السعودي ولن يبقى لأَمريكا ما تفعله بالمنطقة سوى التقسيم بما يخدم إسرائيل عندما قال في المقابلة ذاتها، موضّحاً السبب الذي لن يجعل بلاده تدخل في حروب بالمنطقة كما يريد (الحلفاء الجانحون) عندما يقول متحدثاً عن بلاده إنها: “ولن تتدخل عَسْكرياً في المنطقة التي لم تعد تصدر النفط فقط، وانما الارهاب أيضا” وأضاف أن بلاده ستنسحب منها وتركز على آسيا وأفريقيا وأَمريكا اللاتينية حيث المستقبل.
أوباما أفصح في المقابلة عن كثير من الأمور التي تربط بلاده بالمنطقة والدول الحليفة، واسترسل في ذلك وقد تكرر ذلك في الشهور الأخيرة في أكثر من مقابلة حتى أنه أراد أن يؤكّد على تفرد السعودية بنشر الإرهاب وقال ذلك صراحة لرئيس وزراء استراليا: إن مَن نفّذوا هجمات 11 سبتمبر ليسوا إيرانيين.
تأتي أهمية ما قاله الرئيس الأَمريكي من إفصاحه بتخلي البيت الأبيض عن حلفائه الخليجيين وعلى رأسهم النظام السعودي الذي رفض أن يصفَه بـ”الصديق” وتخليه عن المنطقة التي باتت تصدِّرَ الإرهاب إلَـى جانب النفط الذي لم يعد مهما لأَمريكا بعد ظهور النفط الصخري الذي يجعل أَمريكا أكبرَ مصدر للنفط.
إجمالاً يرى الكثيرُ من المراقبين أن أَمريكا في طريقها لترك النظام السعودي والأنظمة الخليجية وحيدين في المنطقة بعد أن كان البيت الأبيض مصدّر الحماية والدعم لتلك الأنظمة كما يرَون أن أَمريكا ستترك السعودية والخليج أمام تطورات المنطقة والتي ستؤدي حتماً لاشتعال الأوضاع ووقتها ستعود أَمريكا لتوقع على مشروع التقسيم ووقتها سيعرف النظام السعودي أنه وقع في فخّ تحدث عنه الجميع ولكن في الوقت الضائع.
صدى المسيرة: إبراهيم السراجي