مَن يحمل القرآن وتراه ضعيفاً في مواقفه من أعداء الله، ضعيفاً في رؤيته فاعرف بأنه بمعزل عن القرآن وبعيد عنه وأنه يسيء إلى القرآن
القرآن كله قوة وعزة وشرف ورؤى صحيحة تعطي من يسيرون على نهجه أن يكونوا بمستوى أن يضربوا أعداء الله كيفما كانوا وكيفما كانت قوتهم
أفضل وأهم وأعظم مصدر لمعرفة الله هو القرآن الكريم يقدم معرفة الله بالشكل الذي يرسخ لدى الإنْـسَـان شعوراً بعظمة الله وحباً لله وثقة قوية بالله
أوضحنا في الجزء الأول من محاضرة السيد حسين الحوثي بعنوان (الثقافة القرآنية) أنه يجب أن يكون همنا هو أن نتعلم القرآن الكريم، وأن تكون ثقافتنا قرآنية، وعنوان حركتنا قرآنياً وأن تدور كُلّ مجالاتنا حول ثقافة القرآن.
كما أشار فيها إلى وضع الأمة العربية اليوم مؤسف، وأنها ليس لديها رؤية في الساحة ولا يوجد لها موقف تجاه أمريكا وإسْرَائيْل والجرائم التي ترتكب بحق الفلسطينيين، معتبراً أن إسْرَائيْل يسوقون العرب إلى تنازلات وتقديم استسلام حتى بقيت الأمة كلها مستسلمة.
وفي هذا الجزء من نفس المحاضرة يتحدث الشهيد القائد عن الكثير من الصفات والمبادئ والقيم التي فطر الناس عليها، والتي نجد أن الله سبحانه يخاطب عباده المؤمنين في كثير من الآيات بالالتزام بها نجدُها مفقودةً في المجتمع، وكأن القرآنَ يتحدث عن نوعية من الناس ليست موجودة.
ويشير السيد حسين الحوثي إلى الحالة التي يعيشها الجميع من الناس وهي حالة الخداع للنفس، حيث يخاطب الإنْـسَـان نفسه بأنه يريد أن يعرف ما له وما عليه، ويتجاهل تماماً أن مما أوجبه الله عليه ووجه له أن يتمتع بتلك المواصفات التي ذكرها الله لأوليائه والمؤمنين من عباده في القرآن الكريم؛ لأن الجنة أعدت لمن؟ أعدت للمؤمنين، أعدت للمتقين، أعدت لأولياء الله، العزة في الدنيا أعدت للمؤمنين {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} (المنافقون: من الآية 8) الرفعة، الشرف، القوة، التمكين هو للمؤمنين. وفي الآخرة الحساب اليسير لمن؟ لأولياء الله، الأمن لأولياء الله {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا} ألم يقل هكذا؟ {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} (يونس: 62).
ويرى السيد حسين الحوثي أن الإنْـسَـان عندما يقرأ القرآن يجد أن بينه وبين تلك المواصفات التي عرضها الله عن أوليائه عن المؤمنين عن المتقين، أن بينه وبينها مسافات، فإنه يمشي على طريق هي غير الطريق التي رسمت للمؤمنين، وتؤدي بك إلى غاية هي غير الغاية التي تؤدي إليها السبيل التي رُسمت للمؤمنين.
وبتساؤلات يجيب عليها السيد حسين الحوثي يوضح من خلالها طريق المؤمنين، وأين اتجاههم، فيقول: أين يسير المؤمنون؟ أليسوا يسيرون إلى الجنة، يكون حسابهم يسيراً، يُبعثون فرحين يوم القيامة آمنين، ويساقون مكرمين إلى الجنة.
ويخاطب السيد حسين الحوثي كُلّ إنْـسَـان: هل تنتظر أن تحشر كالمؤمنين؟ وأن تدخل الجنة كالمؤمنين؟، وأنت لا تحاول أن تتحلى بهذه الصفات التي ذكرها القرآن الكريم للمؤمنين لا.
وفيما يتعلق بالأَعْـمَـال التي يقوم بها البعض وهي تخدم الباطل تحدث الشهيد القائد محذراً فقال: القضية أسوأ من هذه، من جانب آخر أسوأ؛ إذا لم يكن الإنْـسَـان الذي ينطلق للتعليم، الذي يحمل اسم (مسلم) إذا لم ينطلق وفق المواصفات القرآنية التي أرادها الله للإنْـسَـان المسلم فإنه سيكون من يخدم في حياته الباطل أَكْـثَـر مما يخدم الحق، يخدم الباطل حتى وإن حمل علماً، خاصة إذا كان باطل وراءه يهود.
وتحذيراً من خطورة اليهود وخبثهم يؤكد السيد حسين الحوثي أن اليهود يستطيعوا أن يُسَيِّروا علماء لخدمتهم، أن يسيروا عبّاد لخدمتهم، إذا لم يعود إلى القرآن ونتثقف بثقافته بمعنى صحيح وبشكل جاد.. يستطيعوا أن يُسيّروا إنْـسَـاناً يتعبد ليله يُسيّروه يخدمهم، عالِم يخدمهم.
وأضاف: قد تتعلم وتتخرج وتخدم اليهود من حيث لا تشعر، من حيث لا تشعر؛ لأنك حينئذٍ لا تتمتع بحكمة، ليس لديك رؤية حكيمة، لا تتمتع بالمواصفات الإيمانية، المواصفات التي ذكرها الله لأوليائه في القرآن الكريم، التي تمنحهم القوة، وتمنحهم الحكمة، وتمنحهم زكاء النفس، فترضى وأنت تحمل القرآن، وهذا من أسوأ الأشياء، ومن أعظم الأشياء إساءة إلى القرآن وإلى الله أن تحمل القرآن الكريم، أن تتعلم القرآن الكريم وتُعلّم القرآن الكريم وفي نفس الوقت تبدو إنْـسَـاناً هزيلاً، ضعيفاً في مواقفك من أعداء الله.
وفي ذات السياق يحرص السيد حسين الحوثي على إرشاد المجتمع وكذا الأمة العربية والإسْــلَامية بالعودة إلى القرآن الكريم مشيراً إلى أنه: كله قوة، كله عزة، كله شرف، كله رؤى صحيحة وحلول صحيحة تعطي كُلّ من يسيرون على نهجه أن يكونوا بمستوى أن يضربوا أعداء الله كيفما كانوا وكيفما كانت قوتهم.
وأضاف: الذي يحمل القرآن الكريم ولا يتثقف بثقافته – وإن كان يتلوه ليله ونهاره – هو من سيكون في الواقع ممن نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم، وسترى أن الشخص الذي يحمل القرآن وتراه ضعيفاً في مواقفه من أعداء الله، ضعيفاً في رؤيته للحل الذي يهدي إليه القرآن فاعرف بأنه بمعزل عن القرآن الكريم، وبعيد عن القرآن الكريم، وأنه يسيء إلى القرآن، وأنه في نفس الوقت سيعكس وضعيته هذه المتردية وضعفه على الآخرين، فيصبحُ قدوة للآخرين في ضعفه بدلاً من أن يكون قدوة للآخرين – وهو يحمل القرآن الكريم – في قوته.
وفي ذات الموضوع يعود السيد حسين الحوثي ليؤكد أنه يجب علينا أن: نتعلم القرآن الكريم، وأن نتثقف بثقافته، مشيراً إلى أن القرآن الكريم سيجعلنا سنعرف كيف نقيّم الآخرين، نعرف أن هذا مواقفه قرآنية ومنسجمة مع القرآن، أن هذا – مهما كان شكله، مهما كانت عبادته، مهما كان يمتلك من كتب – يبدو وضعيته غير منسجمة مع القرآن الكريم، رؤاه غير منسجمة مع القرآن الكريم.
ويوضح السيد حسين الحوثي سبب أن بعض المواقف غير منسجمة مع القرآن الكريم لأنه: في الوقت الذي يقول القرآن الكريم للناس يحثهم على الجهاد، يحثهم على الوحدة على الأخوة على الإنفاق في سبيل الله، على أن يبيعوا أنفسهم من الله على أن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر، ويأمرهم بأن يقاتلوا أعداء الله، تجد كلامه – والمسبحة في يده -[مالنا حاجة وأفضل للناس يسكتوا، وقد يكلفوا الناس على نفوسهم… ] كلام من هذا النوع، هذا لا يمكن أن يكون منسجماً مع القرآن الكريم.
ويحذر السيد حسين الحوثي من بعض المواقف التي قد يتخذها البعض وهي غير منسجمة مع القرآن الكريم بأنها ستؤدي بالمجتمع إلى أن يصبح ضحية لكثير ممن يحملون علماً.
وبالتالي يرى السيد حسين أنه من الضروري أن يمنح الجميع مقاييس قرآنية يستطيع من خلالها أن نعرف ما هي المواقف الصحيحة، ومن الذي تعتبر مواقفه صحيحة، وحركته قرآنية، يجب أن نرجع إلى القرآن الكريم فنستفيد منه كيف نكون حكماء في رؤيتنا، في تقييمنا لأنفسنا أولاً، وفي تقييمنا للآخرين من حولنا، وفي معرفتنا لما يدبره أعداؤنا، وفي معرفتنا لما هو الحل في مواجهة أعدائنا.
وفيما يتعلق بمن يجعل من السكوت المطلق كموقف حكيم في مواجهة أعداء الله تحدث السيد حسين الحوثي أن القرآن لم يقدم السكوت موقفاً حكيماً.. لا، قد يُوجّه بمرحلة معينة: اعف واصفح، لفترة معينة، وأنت تشتغل في نفس الوقت، تعمل لا تتوقف إطلاقاً، فقط أجِّلْهم في الموقف هذا، وهم ضعاف، هم لا يشكلون خطورة بالغة، لا تنشغل بهم آناً، في هذا الحال وفي نفس الوقت أنت تعمل، أنت تهيئ، أنت تجهز علناً وسرًّا، سرًّا وعلناً مواقف واضحة، لأنه يَرِد في القرآن الكريم أحياناً عبارات من هذه: {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (البقرة: من الآية 109) ماذا يعني حتى يأتي الله بأمره؟. وهل الرسول سيعفو ويصفح ويوقِف كُلّ شيء، أم أنه كان ينطلق ويتَـحَـرّك باستمرار؟ ينطلق ويتَـحَـرّك باستمرار، إنما ربما هذا الموقف المنطلق من جانب هؤلاء الأعداء يهود معينين لازالوا مستضعفين، موقفهم قد يكون غير خطير في ذلك الزمن، قبيلة معينة خلّيهم لا تنشغل بهم، لا تؤاخذهم على هذا فتغرق أنت في الانشغال بهؤلاء لحالهم، ينطلق في العمل العام، وفي بناء مجتمع قوي، وفي بناء دولة، وفي بناء أمة، هناك أَمرُ الله في الأخير يستطيع أن يضرب هؤلاء إذا لم يقفوا عند حدودهم، إذا لم يهدَءوا، إذا ما ظلوا يحيكوا المؤامرات ضد النبي وضد الإسْــلَام. لم يأت في القرآن توجيهات بالسكوت المطلق. ومن يتبنى ثقافة غير ثقافة القرآن هو نفسه من يجهل الله سبحانه وتعالى.
ويتحدث السيد حسين الحوثي أن من أهم المواضيع في القرآن الكريم هو تركيزه الكبير فيما يتعلق بمعرفة الله سبحانه وتعالى، معرفة الله أفضل وأهم وأعظم مصدر لمعرفة الله هو القرآن الكريم، القرآن الكريم يمنحك ثقة بالله، وتدور معارفه فيما يقدمه من معرفة عن الله سبحانه وتعالى بالشكل الذي يرسخ لدى الإنْـسَـان شعوراً بعظمة الله وحباً لله، وفي نفس الوقت ثقة قوية بالله، هذه الثقة ليست كتلك الثقة التي تحصل عند الإنْـسَـان إذا ما أَصْبَـح في حاجة إلى شيء.. مريض أَوْ معه مريض أَوْ افتقر إلى حاجة معينة، وهو لا يملك أموال فيصبح لديه حالة من الرجوع إلى الله، وَقد يدعو الله بإخلاص، هذه الحالة كانت تحصل تقريباً للمشركين في البحر؛ فإذا ما خشوا من الغرق {دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} (يونس: من الآية 22).
وينبه السيد حسين الحوثي إلى أن الثقة بالله تنطلق ثقة واعية، ليست ثقة عمياء؛ لأن الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم – وهو يتحدث عن أوليائه – ذكر أنهم كيف كانوا ينطلقون على أَسَــاس الثقة به، وذكر في القرآن كيف أنه كان يمنحهم الرعاية لأنهم كانوا يثقون به: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ} (المائدة: من الآية 11) فكف أيديهم عنكم.
وأضاف: كم ذكر في القرآن الكريم.. كم ذكر من أمثلة كثيرة جداً توضح للإنْـسَـان كيف أنه يرعى أولياءه الذين يثقون به، كيف أنه يدافع عنهم، كيف أنه يؤيدهم، كيف أنه ينصرهم، ألم يقل عن تلك المجموعة التي خَلُصت من الآلاف المؤلفة من بني إسْرَائيْل – في قضية طالوت وجالوت – بعد أن شرب الكثير من النهر فبقي مجموعة بسيطة، قال بعضهم: {لا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو اللَّهِ} (البقرة: من الآية 249) مؤمنون واثقون بالله، يعيشون حالة من سيطرة الله على مشاعرهم، الله حي في مشاعرهم في نفوسهم، قالوا ماذا؟ {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}، ماذا حصل بعد؟ كيف قال؟ {فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ} (البقرة: من الآية 251) فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ.
يتحدث عن قضية عصى موسى، لاحظوا موسى الرجل الفقير الذي لا يمتلك الأسلحة التي كانت لدى فرعون، لا يمتلك الجيش الذي كان لدى فرعون، في يده عصى، وهو متجه إلى مصر بزوجته وأغنامه ومواشيه، قال له: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي} (طه: 18) ليس لها دور أَكْـثَـر من هذا – فيما أرى – الله أراد أن يجعل من تلك العصى قوة، قوة ترعب فرعون وقومه.
فمن يثق بالله، من يثقون بالله، إذا ما بلغ الناس إلى درجة الوثوق القوي بالله سبحانه وتعالى فإنه من سيجعل الأشياء البسيطة ذات فاعلية، ذاتَ فاعلية كبيرة، عصى موسى كانت ترعب فرعون، كانت تتحول إلى حيّة، كانت تُرعب آل فرعون جميعاً، قضت على كُلّ ذلك الإفك، على كُلّ ما عمله السحرة، أوحى الله إليه أَنْ يلْقِ عَصَاه {فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ} (الأعراف: من الآية 117) تلتهمه جميعاً، وقضت على كُلّ تلك الحبال والعِصِيّ التي كان يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى.