كل ما يجري من حولك

عامان على اغتيال الشهيد البروفسور أحمد شرف الدين.. سطور من حياة حافلة بالعطاء

821

سيرة  الشهيد البروفيسور أحمد عبدالرحمن شرف الدين

 

 ( مولده ونشأته )

ولد السيد أحمد عبد الرحمن شرف الدين في مدينة حيس بمحافظة الحديدة عام 1953م حيث كان يعمل والده هناك، وسرعان ما عاد بصحبة والده ووالدته وإخوانه إلى مدينتهم الأصلية شبام الواقعة على سفح جبل كوكبان.

ودرس تعليمه الأول في كتاتيب التعليم في مدينتي كوكبان وشبام، وكان أساتذته يدركون أن هذه الشخصية سيكون لها شأن رفيع بين العلماء والمثقفين.

وانتقل إلى صعدة مع والده ثم انتقل إلى تعز، وهناك تقدم في دراسته المتوسطة والثانوية، وكان الشاب أحمد شرف الدين من السباقين للالتحاق بالجامعة طالباً في كلية الشريعة والقانون وتخرج وحاز على الترتيب الأول بين زملائه في الدفعة الأولى من خريجي كلية الشريعة والقانون عام 1978، ومن ثم ابتعث إلى جمهورية مصر العربية لاستكمال دراسته العليا في مجال القانون في العام 1978، مصطحباً أسرته معه، وفي أقل من ثلاث سنوات حاز على الدرجة العلمية “الدكتوراه” في مجال القانون العام.

وبعد عوته إلى الـيَـمَـن حاملاً درجة الدكتوراه في القانون عام 1984م قام بأولى خطواته في تعليم أبناء وطنه، وسرعان ما أصبح الدكتور شرف الدين أول عميد يمني لكلية الشريعة والقانون عام 1987م.

(بعض مؤلفاته في تلك الفترة)

 كانت سنوات الشهيد الدكتور الأولى في الكلية قد شهدت إثراءه المكتبة العلمية بالعديد من المؤلفات العلمية المنشورة في: الوظيفة العامة، القانون الإداري، القانون الدستوري، القضاء الإداري، الإدارة المحلية، والتشريع الضريبي.

( حياته السياسية )

استبشر الشهيد الدكتور بإعادة تحقق الوحدة الـيَـمَـنية، ورأى فيها بداية عهد جديد، ومرحلة انفتاح سياسي وفكري للـيَـمَـنيين، فعمل على دعم مشروع دستور الوحدة، مبيناً أَهَميَّته من الناحية القانونية كخبير قانوني ودستوري.

فمع مطلع تسعينيات القرن الماضي بادر ومجموعة من العلماء والمثقفين إلى تأسيس كَيانٍ يجتمع به شملُ الناس، وتتكاتفُ جهودهم عبره لنصرة دين الله والمستضعفين، فكان أن تأسس حزب الحق مطلع تسعينيات القرن الماضي، ليعمل الشهيد الدكتور أحمد شرف الدين أمينا عاما مساعدا للحزب، بإشرافٍ من أكابر العلماء – وعلى رأسهم العلامة الكبير السيد الراحل مجدُ الدين بنِ محمدٍ المؤيدي والعالم الرباني السيد بدرالدين بن أمير الدين الحوثي رحمة الله عليهما، وخلال المرحلة الانتقالية كان الشهيد الدكتور يقدم أطروحات قانونية تعالج المشكلات التي تواجه مسار تنفيذ اتفاقية الوحدة، وأبرزها مشكلة الفراغ الدستوري التي واجهتها دولة الوحدة عقب انتهاء مرحلتها الانتقالية في حينه دون استكمال استحقاقاتها.

وعندما استشعر عدم جدية السلطة في انتهاج الديمقراطية كخيار استراتيجية يمارس الجميع من خلاله العمل السياسي

بحرية وسلاسة، مدركا ـ في الوقت ذاته ـ حاجة الناس إلى عمل اجتماعي وثقافي، فقدم استقالته من حزب الحق، ليتفرغ لعمل يسد الحاجة في هذين الجانبين، فكان أن بادر إلى تأسيس مؤسسة اجتماعية مدنية غير حكومية، حرص على تسميتها بمؤسسة أهل البيت للرعاية الاجتماعية أواخر عام 1993م.

( موقفه من الحرب على المحافظات الجنوبية صيف 1994م )

 

عبر الشهيد الدكتور أحمد شرف الدين عن رأيه وموقفه من حرب 94 وذلك برفضه المطلق لتلك الحروب في مواقف واضحة وصريحة.

وانتقد الشهيد الدكتور تعديل الدستور عام 1994 حيث أصدر كتاباً حمل عنوان “أحكام الدستور المعدل في ميزان الشريعة” قدم فيه نقداً علمياً موضوعياً للتعديلات الدستورية التي تمت في في العام 1994م، موضحاً أن بعضها وقع في تناقضات مع الشريعة.

 ( مواصلة أبحاثه العلمية رغم التحديات )

وعندما تقلص هامش الحرية بعد تلك الحرب المشؤومة، وزاد قمع السلطة لكل من يناوئها حتى بالعلم والقلم، عاد الشهيد الدكتور إلى تركيز اهتمامه على دوره التعليمي، وعلى المطالعة والقراءة، والإشراف على رسائل طلابه في الماجستير والدكتوراه، ما أهله ليكون أول أستاذ يمني يشارك في مناقشة رسائل دكتوراه في جامعات مصرية عريقة..

حيث تمكن الشهيد الدكتور خلال السنوات اللاحقة من تأليف بعض الأبحاث العلمية التي تم تحكيمها علميا في جامعات عربية عريقة، فنال بموجبها أعلى درجة علمية، هي الأستاذية، فصار أول بروفيسور في القانون، ليس في الـيَـمَـن فقط، بل وفي شبه الجزيرة العربية.

(طرح فكرة القائمة النسبية )

بعد الانتخابات النيابية التي جرت عام 1993م، تأكد للشهيد الدكتور أن الأساليب الانتخابية المستخدمة ستكون أداة لتكريس الأنظمة الحاكمة على الدوام، وهو ما سيسبب أزمات ديمقراطية متتالية في الوطن، فبادر إلى طرح البديل الذي وجد أنه يحقق الشراكة الحقيقية ويثبت الديمقراطية كخيار توافق عليه الـيَـمَـنيون. فكان أول من طرح ونادى بفكرة الانتخاب بواسطة نظام القائمة النسبية في العام 1996م

 

 (الحرب على صعدة واستقالته من العمادة )

خلال العام 2004 سعت السلطة الظالمة إلى حشد تأييد مجتمعي وسياسي للعُـدْوَان الذي تعتزم شنه على أحد أبرز الشخصيات العربية والإسلامية التي قاومت ذلك المشروع ثقافياً، إلَّا وهو السيد حسين بدر الدين الحوثي سلام الله عليه، الذي أطلق شعار الموت لأمريكا الشهير.

وكان الشهيد الدكتور في مقدمة من تعرضوا لضغوط السلطة الظالمة، إذ حاولت انتزاع موقف مؤيد منه لها، إلَّا أنه لم يرضخ لتلك الضغوط، مفضلا الانحياز إلى موقف الحق.

حينها وعلى الفور، قدّم استقالته من عمادة كلية الشريعة والقانون، وسلّم مفاتيح سيارة العميد التي كان يستخدمها بحكم عمله، واضطر إلى مغادرة البلاد إلى القاهرة في إجازة تفرغ علمي..

 

( عودته من الخارج لمواصلة دوره التعلميي)

لم تنقض الإجازة كاملة، إذ كان رجل العلم الكبير حَريصاً على العودة إلى موقعه التعليمي، ليواصل مسيرته في تعليم الأجيال.

عاد ليحاضِر طلابه في الدرجة الجامعية الأولى وفي الدراسات العليا في جامعة صنعاء، وأكاديمية الشرطة، وجامعة الحديدة، والجامعة الـيَـمَـنية، وجامعة العلوم والتكنولوجيا، وجامعة عدن، وجامعة الأحقاف.

هذه الأخيرة كانت تجربة مميزة بالنسبة له، فقد انتقل إلى مدينة تريم مرتين تصاحبه شريكة جهاده زوجته، ويمضي هناك الأسبوعين، لتدريس مادة القانون الاداري بكلية الشريعة والقانون بجامعة الاحقاف

كما وضع لجامعة الأحقاف برنامج الدراسات العليا ولائحته بكل دقة، مؤكدا على إدارة الجامعة أن تحافظ على تميز الجامعة بالانضباط بلوائح الدراسات.

 ( مباركة ثورة 2011م وتأييد المسيرة القرآنية )

تفجرت ثورة الشعب الـيَـمَـني في العام 2011، فتلمس فيها بداية موفقة يتحرك فيها الشعب لرفض الظلم والمتكبرين.

وحين كانت القوى السياسية تتسابق على الاستئثار بهذه الثورة، تحرك الشهيد الدكتور إلى حيث اطمئن قلبه، واقتنع عقله، للانخراط ضمن المسيرة القرآنية، ومع بداية الثورة، كان قد سافر إلى صعدة، للقاء السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي حفظه الله، وسارع الشهيد الدكتور إلى إعلان تأييده للمسيرة القرآنية إعلانا صريحا، لم يكن قد سبقه إليه غيره في صنعاء، معلنا تسليمه لقائدها السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي حفظه الله..

مثل ذلك الإعلان الحافز لأبناء العاصمة صنعاء، وغيرهم، للالتحاق بركب المسيرة القرآنية.

لقد كان الشهيد دائمَ التأكيدِ على أن المسيرةِ القرآنيةِ ستحظى بتأييدِ اللهِ وتمكينِه، كونها لا تسعى للاستعلاءِ الفرعوني، وإنما تسعى لخيرِ الأمة..

 

 ( اللجنة الفنية للتحضير للحوار الوطني وعضو مؤتمر الحوار

 

عين الشهيد الدكتور عضواً في اللجنة الفنية للتحضير لمؤتمر الحوار الوطني عام 2012م ممثلاً عن أنصار الله، وبروحية الشهيد الوطنية المنفتحة أدى الدكتور دور حيوي بارز في التمهيد للحوار، والذي خلص بالنقاط العشرين التي خرجت بها اللجنة الفنية والتي قدمت الحلول الجذرية لمشكلات الوطن المعقدة.

وفي كلمته الأولى بالجلسة الأولى لمؤتمر الحوار، كان الشهيد الدكتور حَريصاً على نصح زملائه بانتهاج القبول بالتنوع والقبول بالآخر، دون إقصاء.

وفي تلك الكلمة ذاتها كان الشهيد الدكتور العضو الوحيد الذي لم يفته التنديد بجريمة الاعتداء على شباب الثورة في ساحة التغيير، والتي أسفرت عن استشهاد الثائر عبد الغني الحمزي وجرح اثنين آخرين من شباب الثورة.

( مناداته بالدولة المدنية )

 

انضم الشهيد الدكتور إلى فريق بناء الدولة بمؤتمر الحوار.

وقدَّم فيه خلاصةَ فكرِه وعلمِه تقديماً راقياً في رؤاهُ المقدّمة عن أنصارِ اللهِ، والتي كانت مُلبيةً للحقوقِ والحرياتِ، ومترجمةً لأهدافِ وتطلعاتِ الثوارِ الأحرارِ من الشبابِ وأبناءِ الشعبِ.

فكان مكون أنصار الله هو المكون الوحيد الذي طالب في رؤيته بالدولة المدنية..

( طرحه فكرة المرحلة التأسيسية )

أخذ الشهيد الدكتور يشخّصُ المشكلةَ، ويوضح بكل صراحة ومصداقية أَهَميَّة الدولة المدنية في أَكْثَـر من مناسبة

عرف الشهيد الدكتور بأنه كان يقدمُ الحلَّ التوافقي على الحلول التي يقدمها عن مكون أنصار الله، فكان بحق مرجعيةً للجميع، وشخصيةً استثنائية قادت الحوار في كثير من مراحله إلى بر الأمان، لاسيما مع مكون الحراك الجنوبي الشركاء مع أنصار الله في المظلومية..

 ( دوره في لجنة التوفيق بمؤتمر الحوار )

لقد آمن الشهيد الدكتور بالشراكة، موقناً بكونها الأسلوب الأمثل لتمكين الـيَـمَـنيين من حل مشكلات بلدهم، باذلا كُلّ جهده في لجنة التوفيق بمؤتمر الحوار لإقناع ممثلي المكونات السياسية بفكرة الشراكة والتوافق، رغم ما كان يواجهه من تشدد القوى التقليدية.

( تهديد مؤتمر الحوار )

احتدمت الصراعات السياسية، وكادت رياح الشر أن تعصف بمؤتمر الحوار الذي تأخر عن موعد اختتامه المقرر بحوالي ثلاثة أشهر.

حينها حاول الشهيد الدكتور رأب الصدوع، وتحقيق أكبر قدر من الإجماع الوطني على ما تم التوافق عليه في مقررات فرق المؤتمر، واللجنة التوفيقية، لكن القوى الحاكمة أبت إلَّا الاستفراد بالرأي

انبرى الشهيد الدكتور حينها ليوضح للرأي العام عبر قناة المسيرة الالتفاف الذي تم على تلك الوثيقة، واختلافها عما كان الجميع قد توافق عليه داخل لجنة التوفيق.

( لجنة صياغة الضمانات )

وعندما حاولت الرئاسة والقوى التقليدية الانحراف بالمؤتمر إلى حيث تريد بتشكيل لجنة من بينهم لوضع وثيقة ضمانات جديدة، وتم اختيار عضو عن كُلّ مكون مشارك في المؤتمر، كان الشهيد الدكتور عضواً فيها.

 

وحين كان العد التنازلي قد بدأ لتوافق أعضاء لجنة صياغة الضمانات على معظم بنودها، غادر الشهيد الدكتور اجتماع لجنة صياغة الضمانات الساعة الحادية عشرة ليلاً من يوم الاثنين العشرين من يناير 2014م، على أن يستكمل مع زملائه في اللجنة المناقشة صباح اليوم التالي.

لم يكن يدري الشهيد الدكتور أن ذلك هو آخر اجتماع سيشارك به في أعمال مؤتمر الحوار، إذ بيّت له أعداء الأمة والوطن والشعب مخططا إجرامياً في اليوم التالي..

( يوم استشهاده 21 ـ يناير ـ 2014م )

لقد كان الشهيد الدكتور يدعو الله دوما وأبدا أن يثبته على الحق، وأن يجعله شهيدا من بين أولئك الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وحقق الله مبتغاه الذي لطالما نشده وبحث عنه، إلَّا وهو الشهادة في سبيل الله تعالى، في موقف عزٍ لا يقوم به إلَّا العظماء من آل البيت الطاهرين عليهم سلام الله، حيث ركز المجرمون بين السلة والذلة، فكان تثبيت الله للوالد الشهيد على الحق، على السلة، مقاوما للمجرمين الذين حاولوا اختطافه ولم يمكنهم من ذلك، فأطلقوا رصاصات حقدهم الآثمة على رأسه الطاهر الذي كان يحمل العقل الذي قدم للـيَـمَـن كُلّ الأفكار النيرة والبناءة.

حتماً أن تلك اللحظات كانت من أسعد لحظات حياة الشهيد الدكتور؛ لأنه كان تواقا للشهادة واللحاق بركب آبائه الأكرمين محمد سيد المرسلين وعلي أمير المؤمنين والإمامين الأعظمين الحسن والحسين والأئمة العظام من أهل البيت الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين

 

You might also like