صراع الأجنحة في آل سعود، يهدد بانهيار أعمدة المملكة
متابعات../
ندرِكُ من واقعِ القراءة التأريخية للكيان السعودي أن هذا الِكيانَ بمراحل تأريخه السياسي ابتدأ بالدولة السعودية الأولى والتي استمرت 74 عامًا حتى قضى عليها إبراهيم باشا الحاكم العُثماني على مصر آنذاك، والدولة السعودية الثانية عاشت أيضًا سبعةَ عقود (1818 إلى 1891)، وكان سبب القضاء عليها هو الخلاف بين العائلة الحاكمة من أمراء آل سعود، وتحديداً أبناء فيصل بن تركي بن عبد الله آل سعود، وقد استغلّ آل الرشيد الخلاف وسيطروا على الرياض وطردوا السعوديين منها.
أما الدولةُ السعوديةُ الثالثة التي أسسها عبد العزيز آل سعود، فقد مَرَّ على تأسيسها ثمانية عقود، متخطيةً الرقمين السابقين بعقدٍ من الزمن، ليس لسببٍ إلَّا لوجود عامل النفط والدور الوظيفي الذي لعبته وتلعبه الدولة السعودية الثالثة في المنطقة خدمةً لأسيادها وصانعيها.
ولعلَّ العشرَ السنوات الأخيرة التي اتّسمت بحُكم ملكين أقرب إلى مومياءاتٍ بشريةٍ منهم إلى حُكَّام أقوياء، ما هو إلَّا دليلٌ على ترهّل هذه الدولة الوظيفية وانتهاء مقومات حيويتها، ولعلّ الأوكسيجين الصناعي الذي كانت تتنفَّسه من خلال الهيمنة على المنطقة بالبترودولار من خلال شرائها للذمم والولاءات تارةً، وبالتعهدات التكفيرية الوهابية الأصل والفكر لإضعاف المنطقة تارةً أخرى، قد بدأ يتحول إلى غازٍ سامٍّ يخنق منظومتها المجتمعية والأمنية وآلة الحكم فيها.
أسباب بقاء الكيان السعودي
ومن المُسلّم به أنّ استمرارَ الكيان السعودي ونظام حكمه الغريب العجيب له أسبابٌ تتعلق بحماية قوى الاستكبار وأصحاب المصالح النفطية له، منذ اللقاء الشهير بين عبد العزيز وروزفلت على متن السفينة كونسي في البحر الأحمر عام 1945 وحتى اللحظات الأخيرة لتصريح أوباما المفاجئ عن الخطر الداخلي الذي يتهدد المملكة، لا الخطر الخارجي المتمثل في الدول التي تعارض سياسة هذا الكيان التخريبية التي تنتهجها في المنطقة.
ومع مرور السنوات، تتكشف حقائقُ العلاقة الوطيدة بين الكيانين السعودي والصهيوني في زواجٍ سرّيٍّ مبنيٍّ على الحماية المتبادلة بين الطرفين، حتى أصبحت ثنائيةُ البقاء تترابط وتتماهى بشكلٍ متداخل لدرجة القول بأن بقاء الكيان الصهيوني يعتمد كلياً على وجود الكيان السعودي والعكس، وبقاء الكيانين مرهونٌ بالحماية والرعاية الأمريكية لهما كونها الأم لهذين الكيانين.
مؤشرات الزوال والانهيار
بدأت هذه المؤشراتُ تلوحُ في الأفق منذ وفاة الملك عبد الله بن عبد العزيز، حيث وصلت قائمة الأبناء في الجيل الأول لخواتيمها، لتؤسس لمرحلةٍ جديدةٍ وقائمةٍ جديدةٍ مبنيةٍ على الأحفاد في الجيل الثاني، وهذا ما سيدفع من تبقى من جيل الأبناء لوضع المخططات التآمرية لتوريث الحكم إلى أبنائهم؛ خشية أن يقوم الآخرون بهذه الحركة الاستباقية، فنجد الملك عبد الله قام بإعداد نجله متعب ليكون الأقرب في قائمة الجيل الثاني من الذين سيتسلمون مقاليد الحكم في الفترة القادمة، بيد أن هذا الإعداد ذهب أدراج الرياح.
فعندما تسلم الملك سلمان حكم المملكة، جمع مجلس البيعة وأصدر قرارَ عزل أخيه مقرن من ولاية العهد، وقام بتنصيب نجل شقيقة محمد بن نايف كي يكسَبَ دعم أبناء نايف الأقوياء والذين يحظون بالرعاية والدعم الأمريكي، ليتسنى له بذلك تنصيب نجله محمد ولي العهد الثاني، حتى يتمكن لاحقاً من إزاحة نجل شقيقه محمد بن نايف بطريقةٍ أو بأخرى؛ ليصعد نجله إلى كرسي ولاية العهد، وهذا ما تم فعلاً، فعملية تقليم أظافر محمد بن نايف بدأت حيز التنفيذ وذلك من خلال سحب ملف المجلس الاقتصادي من بين يديه وتسليمه لمحمد بن سلمان، كخطوةٍ أولى في إزاحة الأول من منصب ولاية العهد للملك، وما كانت مسألة العُـدْوَان على الـيَـمَـن إلَّا الخطوة الثانية في تلميع الأمير الشاب على الصعيد الداخلي والخارجي، حتى جاءت خطوة سحب ملف الإرهاب من محمد بن نايف وتسليمه لمحمد بن سلمان من خلال توليه لقيادة التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب، بمثابة الخطوة التي تسبق المرسوم الملكي والذي يقضي بتعيين محمد بن سلمان ولي العهد الأول والذي سيمكنه من تولي مقاليد الحكم المطلقة للمملكة.
ومن خلال هذا السياق تتضح لنا مؤشرات الزوال الذي سيعلن صافرة البدء في تحققه، الصراع الذي سينشب بين أمراء الجيل الثاني من الأحفاد ليكون هذا الصراع أول وأهم مسمارٍ سيُدَقُّ في نعش هذا الكيان.
وكدليلٍ يثبتُ ما ستؤول إليه منظومة الحكم في المملكة، قيام المغرِّدُ الشهيرُ في موقع تويتر “مجتهد” والذي أثار ضجةً إعلاميةً في الأيام الماضية بتسريباته عن خفايا الصراع بين أجنحة الحكم الدائر خلف الكواليس، حيث تحدث في تغريدته الأخيرة عن تحالفٍ بين الأمير محمد بن نايف والأمير متعب بن عبد الله يقضي بالتعاون بينهما لمواجهة أيَّة محاولةٍ من الملك سلمان أو نجله بالالتفاف عليهما وإقصائهم من مناصبهم، في إشارةٍ منه بأن الأميرين المتحالفين على استعدادٍ تام للقيام بأي شيءٍ لمواجهة أية مؤامرةٍ ضدهما حتى لو وصلت الأمور للمواجهة المباشرة. وهنا يستوقفنا التساؤل الأبرز الذي قد يتبادر إلى ذهن البعض، فيما لو حصلت عملية الإطاحة بولي العهد الحالي محمد بن نايف لصالح محمد بن سلمان ماذا سيكون رد فعل ولي العهد المقال؟ وما هو وجه الصراع الذي سيقوده ضد الملك ونجله في ظل خوض المملكة الطاعنة في السن عُـدْوَانها وحربها على الـيَـمَـن والذي تلوح بوادر هزيمتها في أفق المعركة؟
- صدى المسيرة