كل ما يجري من حولك

رقص سُعُـوْدي باللحم العاري على حبل أَميركيّ متهالك

651

محمد صادق الحسيني *

أكادُ أجزمُ بأنّ ما أملكُه من بعض معلومات وكثير من الرصد والتحليل بأنّ قرارَ الرياض الأخير بإعدام الشيخ نمر النمر هو قرارٌ أَميركي بامتياز!.

وأضيف إليه بأنّ قرارَ قطع العلاقات مع إيران يؤكد زعمي السابق الذكر، ويضيف إليه بأنّ هذا قرار مغطى أَميركياً بامتياز أيضاً.

وأذهب إلَى أبعد من ذلك بالقول إنّ هذين القرارين إنما يأتيان في إطار مستوى أَميركي جديد للمواجهة مع جبهة المواجهة تريد من ورائه واشنطن استبدال «داعش» المسلحة بـ«التوحُّش الإجرامي العاري» بـ«داعش» المسلحة بغطاء حرب التحالفين «العربي والإسلامي» ضدّ المقاومة، أي المملكة الداعشية السُّعُـوْدية.

وأختم بالقول في هذا السياق، بأنّ كُلَّ هذا الجنون السُّعُـوْدي الظاهر الذي لم يستوعبه حتى أقرب حلفاء الرياض وأشقاؤها، إنما يعود سببُه الرئيسي إلَى الفشل الذريع والمدوّي لتحالف العدوان الأَميركي «الإسرائيلي» السُّعُـوْدي على الـيَـمَـن الثوري الجديد.

أعرف أنّ البعضَ سيقول لي: إنّ واشنطن لم تكن يوماً تماماً هي الرياض، مهما توافقت سياساتهما.

وأعرف أنّ هذا البعض سيقول أيضاً بأنّ أولويات واشنطن ليست هي أولويات الرياض.

وأعرف أنكم ستضيفون بالقول إن من أولويات واشنطن التهدئة مع طهران، ولهذا أقرّت اتفاقاً معها بخصوص أخطر موضوعات الخلاف بينهما وهو النووي.

فيما الحكم السُّعُـوْدي لم يستطع تحمّل هذا، وجنّ جنونه وبذل كُلّ جهده لمنعه ذاهباً إلَى خطوة التحالف العلني مع تل أبيب لمنع إنجاز مثل هذا التوافق.

وعليه كان استنتاج هذا البعض بأنّ الرياض قامت بكلّ هذا على قواعد قلق «سُعُـوْدية» محضة وبحجة مخاطر النفوذ الإيراني على الأمن القومي العربي.

هي نفسُها التحليلات التي تروّج بوجود تنافر تركي ـ أَميركي، أَوْ عدم تطابق في الأولويات بينهما، وبالتالي تمنح استقلالية قرار إقْليْمي لكلّ من تركيا والسُّعُـوْدية.

اسمحوا لي أن أختلفَ مع هذا البعض بالرأي وأن أقول الآتي:

إنّ السُّعُـوْديةَ وكذلك كُلُّ مَن تحالف معها «عربياً» أَوْ «إسلامياً» سواءٌ في عدوان «عاصفة الحزم» على الـيَـمَـن أَوْ في أكذوبة «تحالف الدول الإسلامية» ضدّ الإرهاب، إنما هو جزءٌ من حفلة الرقص على الحبال الأَميركية المتحركة بأكثر من اتجاه، والمخصّصة لجماعة النفاق والمنافقين في زمن الانكفاء الأَميركي عن منطقتنا وإعادة التموضع لأولوياتها باتجاه المحيط الهادئ والبحر الأصفر…

وبالعودة إلَى الوراء قليلاً سيتبيّن لنا صدقية ما نذهب إليه في هذا السياق.

لقد بذلت واشنطن، كما هو معلومٌ في زمن بوش الابن قُصارى جُهدها لمحاصَرة طهران من جهة كابول وبغداد، للوصول إلَى ما سمّاه يومها ساكن البيت الأبيض الجمهوري بالحرف الواحد «الجائزة الكبرى» أي الهيمنة على إيران.

وإنه لما غزا كلاً من أفغانستان والعراق يومها كان ينوي بذلك الوصول إلَى «البنك المركزي للإرهاب»، حسب توصيفه لحكم الجمهورية الإسلامية، وهو ما فشل فيه فشلاً ذريعاً.

واشنطن التي انتقلت في عهد أوباما إلَى استبعادها نظرية الغزو المباشر، فقد كانت قرّرت الحربَ بالوكالة على جبهة المقاومة، ولكن هذه المرة بدلاً عن الهجوم على طهران قرّرت الهجومَ على العمود الفقري لجبهة المقاومة، أي سورية، ظناً منها بأنها تشكل البطن الرخوة لهذه الجبهة في محاولة لتقطيع أوصالها واجتياحها في مقدّمة للوصول إلَى «الجائزة الكبرى» من جديد.

وإذا كانت قد استخدمت في عهد بوش جيوشها الجرارة، وهو ما أفضى في خواتيمه إلَى خروجها من غزوتَي أفغانستان والعراق بخفي حنين.

فإنها اضطرت في عهد أوباما إلَى استخدام جنودها الأبدال والمتسللين إلَى سورية بغُترة سُعُـوْدية أَوْ نعال قطري أَوْ طربوش عثماني، إلَى أن انكشف وجهَهم «الإسرائيلي»، مما أجبر واشنطن على تجرُّع كأس السمّ أكثر من مرة على بوابات الشام، ما جعلها تذعن هذه المرة أيضاً لاستحالة المهمة.

ولما كانت الوعود المعلنة لساكن البيت الأبيض الديمقراطي هي عدم الدخول في حروب مباشرة على طريقة بوش الابن، كما أسلفنا، وإنهاء ملف إيران النووي من دون حرب، فإنّ الخيارَ الوحيدَ الذي يبقى له، وهو في سنته الأَخيرَة قبل مغادرة هذا البيت، إنما هو استخدامُ الأسرة السُّعُـوْدية الحاكمة باعتبارها الرصاصة َما قبل الأَخيرَة التي يملكها في جُعبته.

وهكذا كانت الحرب على الـيَـمَـن والدفع بالأسرة الحاكمة في الرياض لتقاتل بلحمها العاري، وهو ما يحصل لأول مرة في العقود الأَخيرَة من عُمر مملكة الرمال.

لكنك عندما تخسر معركتك مع الـيَـمَـن الحضارة والتَأْريخ والجغرافيا وأنت إمبراطور العالم المتوّج أُحادياً، ومعك كُلّ أموال وإمكانات أغنى دولة نفطية حليفة لك، لن يبقى أمامك إلّا نقل المعركة مجدّداً إلَى المربع الأول.

أي التفكير مرة أخرى في استخدام هذه الورقة، ولكن هذه المرة في محاولةٍ جديدةٍ لنقل المواجَهة مع موقع «الجائزة الكبرى» أي إيران، لعلك تنهي اللعبة في الإقْليْم بالضربة القاضية.

ولما كانت واشنطن لا تستطيع خَوْضَ مواجهة علنية مع طهران بسبب الاتفاق النووي، فإنها ستصبحُ مجبرة عملياً للعب بقواعد الحرب الناعمة، أي إشعال فتن مذهبية وعرقية وأداتها المفضّلة فيها هي حُكم العائلة السُّعُـوْدية التي تحمل كُلّ مواصفات هذا المخطط.

تحرك الاحتياط الاستراتيجي البديل، أي الحكم السُّعُـوْدي في محاولة لجرّ الخصم لحرب، هو يبدأها فيتدحرج إلَى حرب مفتوحة بالوكالة مع المشروع الأَميركي «الإسرائيلي» يبدو لواشنطن هو الخيار الوحيد المتبقي للقضاء على كُلّ إنجازات طهران في النووي وغير النووي.

في غير ذلك، فإنك مضطر للرمي بالاحتياط الاستراتيجي الأصيل في المعركة، ألا وهو «الإسرائيلي».

لكن ذلك سيعني بالضرورة المجازفة بخطوة جهنمية، قد تجبرك للتدحرج أنت نحو المنازلة الكبرى التي يتعطش إليها خصمك وينتظرها ويشتهيها ليعلن هو يوم القيامة التي تنهي «إسرائيل» من الوجود وتمسحها من الخارطة.

ولما كان الخيار الثاني مستبعَداً تماماً أَميركياً على الأقلّ في عهد باراك أوباما، فما كان من واشنطن إلّا اللجوء للعب بالورقة السُّعُـوْدية كخيار إجباري.

إستخدامُ الورقة السُّعُـوْدية أَميركياً باتجاه إيران في اللحظة الراهنة، قد يحقّقُ من زاوية أخرى هدَفاً أَميركياً آخر ألا وهو احتواءٌ مزدوجٌ لما بقي من إمكانات لدى العرب ولقوة إيران الصاعدة، على غرار ما فعلته في الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي.

إنه الخيارُ الأصعبُ المتبقي لواشنطن قبلَ رفع الراية البيضاء في منطقتنا العربية والإسلامية.

ذلك لأنّ استخدام هذه الورقة قد يفضي إلَى انقراض الأسرة السُّعُـوْدية الحاكمة داخلياً وإقْليْمياً إذا ما علمنا أنّ ذلك سيشكل تشديداً لصراع مجتمعي يتفاقم داخلياً منذ مدة على صفيح ساخن، بدأ يطالب بالانفصال علناً في المدة الأَخيرَة في شرقه وجنوبه بالحدّ الأدنى، فيما بدأ يتمظهر خارجياً بوصول أسهم وحصص السُّعُـوْدية إلَى الحضيض، بعدما خسرت الرياض مواقع نفوذها الخارجية كافة دون استثناء.

فهل تتدحرجُ الأسرة الحاكمة في الرياض بخطواتها الحمقاء الأَخيرَة إلَى ما لا يسرّها داخلياً أولاً فتخسر قبضتَها المركزية على مملكة الرمال منتقلةً إلَى واقع التقسيم، وخارجياً إلَى واقع الانقراض والخروج من المشهد السياسي الإقْليْمي نهائياً، وهي في أقصى حالات النشوة الراقصة على حبل أَميركي مقطع الأوصال بالأساس.؟

* صحيفة “البناء” اللبنانية

You might also like