كل ما يجري من حولك

منسيو حجة: العدوان حرمهم أبسط مقومات العيش “تقرير”

443

 

أحمد الخزان / الأخبار اللبنانية

لعنة الموقع المحاذي للحدود مع السعودية، جعلت “حجة” الهدف الثاني للعدوان بعد صعدة، جوّاً وبرّاً وبحراً، ما حوّل معظم مديرياتها إلى أنقاض. أما من نجا من أبنائها من الموت، فيتخذ من الركام ملجأً له، ويتقاسم قوته مع الجيش و”اللجان الشعبية» في ظلّ انعدام الطعام والمياه والكهرباء

يصنّف العدوان السعودي محافظة حجة كثاني محافظة يمنية على قائمة الاستهداف التي تتصدرها محافظة صعدة. هذا الوضع جعل حجة الواقعة شمال غربي اليمن، إحدى أكبر المناطق اليمنية تضرّراً، إن من حيث عدد الشهداء والجرحى أو من حيث حجم الدمار وانعدام الخدمات وتأثير ذلك في حياة أبنائها المنسيين بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

تُعدّ حجة المحافظة الأكثر تنوعاً جغرافياً وتاريخياً في اليمن، وتقدّر مساحتها بـ 12000 كلم مربع وسكانها بمليون و800 ألف نسمة (المحافظة الرابعة من حيث كثافة السكان). تحدّها من الشرق محافظتا صعدة وعمران والبحر الأحمر غرباً ومن الشمال الأراضي اليمنية التي احتلتها السعودية قبل تسعة عقود من الزمن ومحافظة الحديدة جنوباً. وتتكون من 32 مديرية أهمها مديرية حرض أكبر بوابات اليمن البرّية وأهم معابرها الحدودية.

نالت مديرية حرض في حجة حصة الأسد من الدمار، حيث تعد الأشد مأساة بعدما عمد العدوان إلى تحويلها إلى مدينة أشباح بفعل غاراته المتواصلة على مدار الساعة. وكانت حرض تمثل أكبر سوق يمنية حرة يرتادها المواطنون اليمنيون والسعوديون، إلى أن صارت تتلقى حمم الحقد من السماء والأرض والبحر على حد سواء، بسبب موقعها الجغرافي الساحلي والحدودي مع السعودية.

جرائم في م حجة

يصعب أن تجد مكاناً في حجة غير مسوّى في الأرض. في الساعات الأولى من صباح ثالث أيام عيد الأضحى، وبعد التنسيق مع ضباط في الجيش و»اللجان الشعبية» سُمح لـ «الأخبار» بجولة سريعة في بعض الشوارع الجنوبية من المدينة، حيث يمنع التوغل شمالاً حفاظاً على السلامة. وعلى ظهر درّاجة نارية وبكمية كبيرة من المياه المعدنية بدأت الرحلة للبحث عن ناجين في هذه المديرية التي لا تجد فيها سوى الغبار والدخان يملآن الأرجاء، فيما يكسو حطام المنازل والمحالّ والمدارس والمستشفيات والمساجد شوارع المدينة التي لا صوت يعلو فيها فوق صوت الانفجارات وأزيز الطائرات الحربية. في المقابل، تنتشر على الارض النقاط العسكرية التابعة للجيش اليمني و”اللجان الشعبية» المنتشره بأشكال متنوعة، بأفرادها المتأهبين دوماً.

ركام المنازل ملاجئ للناجين

قد تعثر خلال الجولة على رجل أربعيني يطلب منك بعض الماء ليروي به ظمأ أسرته، وهذه الاخيرة تعيش بين خمس أسر تحت انقاض المنازل، وتتوزع على أربعة رجال هم عبدالله وبكري وسالم وإبراهيم وسبع نساء إلى جانب 19 طفلا وشيخ طاعن بالسن، كلهم يتكومون تحت الركام الذي أصبح الملجأ الوحيد لهم.

تحت أسقف معلقة وجدران متشققة تعيش تلك الأسر التي تبدو عليها علامات التعب والحرمان ومرارة العيش. يروي أفراد تلك الأسر تفاصيل معاناتهم، فيقول أحدهم ويدعى عبدالله موسى: «تعيش منذ أربعة أشهر، حين دمرت طائرات العدوان، منازلنا على هذه الحال. لا يمكن أن نغادر المنزل الذي عملت على بنائه سنوات وأنفقت عليه كل جهدي ومالي، صحيح أن المنزل دُمّر ولم يبقَ منه سوى تلك الزاوية التي نجتمع تحتها أبنائي السبعة وأنا لننام، ولكنني أشعر بأنه ما زال عامراً بداخلي».

وكان لصديقه بكري رأي آخر فيقول: «كيف نتنقل من دون وسيلة نقل؟ لدينا أطفال ولا تستطيع أي وسيلة نقل أن تدخل إلى هنا، والطائرات السعودية تحلّق على مدار الساعة وتستهدف كل حركة دون رحمة، وأقرب منطقة تبعد عنا حوالى 20 كلم». وأضاف: «نحن هنا نعيش في سجن والأطفال لا يستطيعون الخروج من بين الأنقاض للّعب أو التجول، لأن الطائرات تقصف كل شيء».

أما الشاب سالم الذي لم تمضِ على زواجه سوى عشرة أشهر، ويعيل أمه وأختين إلى جانب زوجته الحامل، فتنهّد قليلاً، ثم قال: «إلى أين نذهب؟ ما من مكان في اليمن لم تستهدفه الطائرات السعودية، حتى مخيمات النازحين قصفت مرات عدة وقتل فيها العشرات، فالسعودية توزع الموت على اليمنيين بالتساوي، ولا تفرّق بين نازح وغيره».

وتحدث سالم عن بقية الناجين في الأحياء الأخرى ممن كانوا يساندون العدوان، مؤكداً أنهم يعيشون وحدهم بعدما عملوا كمرتزقة للعدوان «وباعوا أنفسهم للشيطان». هؤلاء خسروا جميع أفراد أسرهم في غارات شنتها الطائرات السعودية على منازلهم. هم يأكلون ممّا بقي من مواد غذائية، ويشربون من المياه الملوثة، «رأيناهم مرات عدة يبحثون تحت الأنقاض عن طعام، ونشاهدهم عقب كل غارة يهرعون إلى أماكن القصف للتفتيش عن أي شيء»، مضيفاً أن «البعض قتل أثناء البحث، فطائرات العدوان تقصف المكان وتعاود قصفه بعد دقيقة أو دقيقتين».

 

المياه والكهرباء من «المحرمات»!

يتقاسم أهالي حجة طعامهم وشرابهم مع الجيش و”اللجان الشعبية”، والبعض يعيش على ما يجده تحت أنقاض المنازل والمحالّ. وللطعام والشراب قصة أخرى تجسد مدى التكاتف بين المواطنين والجيش و”اللجان” يرويها عبدالله، فيقول: «من الصعب إيجاد الطعام والشراب، فالمحالّ دمرت ومخازن المواد الغذائية قصفت واحترق ما بداخلها، ولكن الجيش واللجان الشعبية يتقاسمون معنا طعامهم وشرابهم، وهما عبارة عن معلبات وأطعمة جافة، كل يوم يذهب أحدنا إلى مواقعهم ويعود بالكمية المخصصة لنا». ويضيف: «صحيح أن الكمية غير كافية، ولكنها تسد جزءا كبيرا من الجوع ونشكرهم على ذلك»، لافتاً إلى أنه إذا تأخروا في الذهاب لإحضار الطعام «فإن الجنود يرسلون أحد أفرادهم ليطمئن علينا حاملاً معه من نصيبنا».

ويجمع أبناء حجة على أن المياه والكهرباء هم أكثر ما يعانون عدم توافرهما. يقول بكري بمرارة إن «أكثر ما نعانيه هو شح المياه، والكمية التي نأخذها من الجيش لا تكفي إلا للشرب فقط، إضافة إلى كمية قليلة يعطوننا إياها للوضوء من أجل الصلاة وأحياناً نتيمم لكي نصلي». ويخبر بكري أن أفراد أسرته، ومنذ تاريخ تدمير طائرات العدوان منزلهم منذ ثلاثة أشهر، لم يستحموا سوى مرّتين، مرة وجدنا في خزان أحد المنازل المدمرة بعض المياه فاغتسل الجميع وغسلنا ملابسنا، والمرة الثانية عندما هطل مطر فخرجنا تحته… الاستحمام بالنسبة إلينا أصبح من المنسيات».

أما الكهرباء، فيقول سالم بسخرية إنها أصبحت أحد المحرمات، بعدما منعتها السعودية عن اليمنيين. «فطائراتهم تقصف كل مكان ينبعث منه ضوء حتى ولو كان سيجارة»!

الحال نفسها بالنسبة إلى المستشفيات، فهي أيضاً نالت نصيباً كبيراً من الاستهداف، فقد دمرت الطائرات السعودية بحسب شهادة الناجين ما يزيد على 30 مستشفى ومرفقاً صحياً خلال فترة العدوان. يقول عبدالله: «كان في مديرية حرض أكثر من 30 مستشفى ومركزا صحيا معظمها في مدينة حرض والبقية موزعة على القرى والمناطق التابعة لها، وجميعها أصبحت في خبر كان بفعل طائرات العدوان».

You might also like