في الذكرى 38 لاغتياله.. الشعب اليمني كله أصبح “حمدياً” فكم ستقتل السعودية؟
العدوان السعودي الأول على اليمن “اغتيال إبراهيم الحمدي”
متابعات../ خاص
في 11 من أكتوبر عام 1977، ارتكبت السعوديةُ واحدةً من أبشع جرائمها في حَقّ اليمنيين ومشروع إقامة الدولة في اليمن بشكل عام، في 11 من أكتوبر عزم نظامُ آل سعود بالتعاون مع عدد من عملائه في اليمن على اغتيال الوطن بكل أحلامه وتصفية الرئيس إبراهيم الحمدي، ولكن اليوم وبعد 38 سنة من واقعة الاغتيال لم تستطع السعودية أن تقضي على حضور الشهيد الراحل في قلب كُلّ يمني، فكان الرجل وما زال منارةً لكل يمني يحلم بالاستقلال وإقامة الدولة العادلة الكريمة، وتحاول السعودية اليوم في عدوانها الغاشم على اليمن القضاء على ثورة اليمنيين المجيدة 21 سبتمبر وإعادتهم إلى مربع الوصاية كما فعلت في عهد الراحل الحمدي، ولكن الاختلاف اليوم بأن الشعبَ اليمني كله أَصْـبَـح “حمدياً” فكم ستقتل السعودية يا ترى ؟!.
عند وصول رئيس وطني إلى سدة الحكم في اليمن، شعرت السعودية بقلق بالغ من فكرة أن تكون هناك دولة في اليمن، وأن يكون في رأس هرم السلطة اليمنية رجل لا تشتريه الأموال السعودية ليصبح فراشاً جديداً ضمن قائمة أدوات آل سعود لحكم اليمن، فكانت السمة الأبرز لكل مراحل الدولة اليمنية منذ قيام الجمهورية اليمنية هي الوصاية السعودية.
ولهذا فإن وصول رجل بحجم الشهيد إبراهيم الحمدي إلى السلطة في مطلع سبعينيات القرن الماضي كان خطاً أحمر سعودياً، وما تسبب أكثر في تفاقم هذه المخاوف السعودية أن الحمدي كانت له مواقف صارمة من المَشَـايخ في صنعاء -المَشَـايخ في تلك الآونة كانوا الأداة السعودية لفرض الحكم السعودي، كما أن مشروعَ الحمدي الوطني كان يطمح لإقامة دولة مدنية مستقرة وآمنة لا تركع للخارج وتكون ذات علاقات ندية مع باقي الدول في محيطها، كما أن الرئيس الراحل إبراهيم الحمدي كان يعرف بأن اليمن ليست حقاً سعودياً أَوْ حديقة خلفية لأمراء آل سعود فكانت سياسته الوطنية تنتهج العلاقات المتكافئة وتحقيق المصالح الفضلى للبلد، ما جعله محرراً من أية تبعية للنظام السعودي، وبدأ بالاتجاه إلى إقامة علاقات طيبة مع دول أُخُــرَى تساعد النهضة اليمنية المنشودة، وهو ما جعل السعودية تشعر بخطورة هذا الرجل وتعمد إلى إزاحته من السلطة ولو تطلب الأمر أن يُقتل مغدوراً في بيوت أحد أصدقائه.
تحدثت العديد من التقارير الصحفية وشهادات الأشخاص الذين كانوا في محيط الرئيس الحمدي رحمه الله من بينهم أسرة الشهيد أن السعودية كانت اللاعب الرئيسي في اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي لإعادة اليمن إلى مربع الوصاية كما يحدث اليوم بعدوانها المباشر بعد ثورة 21 سبتمبر وكان استهداف الحمدي هو فقط خطوة واحدة ضمن خطوات كثيرة قامت وتقوم بها الشقيقة الكبرى لضمان عدم إقامة دولة يمنية قوية وإبقاء اليمن عند أقدام آل سعود للسيطرة عليها والدفع بأرجوزات الرياض للحكم في اليمن كأمثال الفار عبدربه منصور هادي. وكان للملحق العسكري بالسفارة السعودية عبدالله الهديان آنذاك دور كبير في تصفية الرئيس إبراهيم الحمدي، ويعتبر مراقبون أن الهديان كان المشرف الرئيسي على عملية الاغتيال بغرض إعادة اليمن إلى الوصاية السعودية.
تقول سارة فيلبس محاضرة في مركز دراسات الأمن الدولي في جامعة سيدني: إن العلاقات بين اليمن والسعودية ليست علاقة بين دولتين بالضرورة، فالسعودية لم تكن يوماً حليفاً للحكومة اليمنية، بل مع مراكز قوى معينة على حساب السيادة وشرعية المؤسسات، بدفع الأموال لمساعدة القبائل للإبقاء على أكبر قدر ممكن من الاستقلالية، وإنشاء شبكات محسوبية واسعة خاصة بهم بعيداً عن تأثير الحكومة لعرقلة أي جهد منها –أي الحكومة- لكسب ولاءات أخرى”.
انتهجت السعودية منذ تكوينها في مطلع القرن العشرين آلية إضعاف الدولة اليمنية وإشعالها بالصراعات والحروب وإعاقة قيام جمهورية حقيقية إلى جوارها، واستمرت المحاولات السعودية في تقويض سلطة اليمن والسطو على حقوقها ومقدراتها عنواناً رئيسياً للعلاقات اليمنية السعودية مهما تعاقبت الأنظمة والحكومات. ويتداول الناس وصية شائعة يقال إنها للملك عبدالعزيز آل سعود مؤسس المملكة السعودية يوصي فيها أبناءه أن خيركم وشركم من اليمن وأن عزة اليمن ذل لكم وذل اليمن عزة لكم، وهذا ربما قد يشرح طبيعة النهج التدميري التي تقوم به السعودية في اليمن منذ وقت بعيد، فلم تبدأ السعودية هذا النهج منذ إطلاق عدوانها المباشر على اليمن ولكنها كانت تعمل دائماً ضد مشروع الدولة اليمنية بكل ما تستطيع.
تحكي الشقيقة الصغرى للشهيد إبراهيم الحمدي تفاصيل الواقعة باللهجة اليمنية الدارجة وقالت صفية محمد الحمدي في مقابلة صحفية نشرت في صحيفة الوحدوي قبل خمس سنوات “كان عندي في البلاد “ثلا” قبل استشهاده بأربعة أيام قضاها معي ثم عاد لصنعاء، يوم الجريمة نفسها دخلت أنا إلى صنعاء ووصلت إلى البيت وكان هو في مقر القيادة، أتى ظهراً إلى البيت وطلب “بطاط وسحاوق” قبل الغداء، كان جائعاً لأنه لم يتناول فطوره، طلعوا إليه البطاط، وما بين الواحدة والواحدة والنصف وما أسوأها من لحظة اتصل به أحمد الغشمي وطلب منه الذهاب لتناول الغداء، قال له الشهيد أنا مرهق والغداء الآن أمامي، أصر الغشمي نزل وأنا كنت في المطبخ وجاء إلي وقال لي: أنتِ هنا؟ قلت له أيوه، قال لي “لا تروحي إلا لما أرجع” ولكنه لم يعد، قبلته وكانت القبلة الأخيرة وخرج من باب المطبخ وشعرت كأن روحي خرجت معه، ذهب للغداء ولليوم وهو يتغدى”.
وأضافت صفية “ارتدى” زنة” وكوت وجنبية، انتظرته طويلاً وجاء العسكر قالوا الفندم “الحمدي” يريد “قاته” لم يكونوا يعلموا حين أرسلهم القتلة إن إبراهيم قد مات “الله يجازي من كان السبب”، سألتهم أين إبراهيم قالوا سيتأخر لن يأتي الآن، فقلت خلاص سأعود إلى القرية قد تأخرت، طلبت زوجته مني الانتظار لرؤيته، قلت لها قد رأيته بالظهر خلاص البيت وحده، وعدت إلى البلاد، حوالي الساعة التاسعة ليلاً وككل الناس سمعنا الخبر من التلفاز “اغتيل الحمدي”، عندما كانت حراسته تذهب تسأل عنه كان القتلة يراوغون مرة” روحوا هاتوا قاته” ومرة “خرج من الباب الخلفي الحقوا به” ونحن ننتظر.
إغتالت السعودية بالتعاون مع أدواتها الحلم اليمني إبراهيم الحمدي معتقدةً أن اغتيال الحمدي سيجعل اليمن ضمن الوصاية السعودية إلى الأبد، لم تعرف السعودية أن الشعب اليمني اليوم قد عاهد الحمدي على استكمال طريق النضال والنهضة والتحرر من الوصاية مهما كلف الثمن، وخرجت ثورة 21 سبتمبر مصداقاً لمبادئ الرجل الذي يقيم في قلب كُلّ يمني، ويذكرنا في كُلّ يوم بحجم القبح والإجرام السعودي وأدواتهم في الداخل.
في الذكرى 38 لاغتيال أشرف الرؤساء الذين حكموا اليمن في الفترة 1974 حتى اغتالت يد العمالة والإجرام السعودي في11- أكتوبر 1977، إبراهيم الذي عمل والده قاضياً في ذمار، وانتهج خُطَى والده ليعمل هو أيضاً في مجال القضاء قبل التحاقه بالمدرسة التحضيرية، ثم كلية الطيران التي لم يكملها، قَدَّمَ باسم القوات المسلحة مشروع الإصلاح المالي والإداري، ثم قام بالحركة التصحيحية التي أعادت الثورة إلى مسارها في 13 يونيو1974م.
اليوم يخرج اليمنيون لتصحيح ما أفسدته السعودية في اليمن في وجه أكبر عدوان غاشم شهدته البشرية، وفي قلبي كُلّ يمني مشروعُ الحمدي رغماً عن الأنف السعودي.