كيف تقرأ خلفية العدوان من خافيات ما قبله؟
في عقد التسعينيات كانت قطر في خلاف واضح وخفي مع مصر والسعودية وبعد حرب 1994م استفدت من ذلك حين أصبحت مراسلاً وكاتباً في صحيفة “الوطن القطرية” التي صدرت بعد انقلاب الابن حمد على أبيه خليفة 1995م كما أتذكر.
لقد ركزت على قطبي النظام العربي الثروة والثورة أو السعودية ومصر ما بعد عبدالناصر، وتعاطيت بالحقائق والوقائع ما يثبت أن النظامين هما اللذان يتحملان كامل المسؤولية عن انهزام وهزائم الحرب والانحطاط غير المسبوق تاريخياً في الواقع العربي وفي تعاط مستمر مروراً بغزو الكويت حتى غزو العراق.
منذ توقيع اتفاق الحدود 2000م بدأت تتحسن العلاقة بين النظام اليمني ونظام آل سعود بقيادة “عبدالله” وفي آخر زيارة للأمير سلطان بن عبدالعزيز لليمن طلب مني ما اعتبره طلباً أو أمراً سياسياً بأن أكتب يوميات “الثورة” عن العلاقات اليمنية – السعودية.
أستطيع اليوم التأكيد أنه كان بمقدوري رفض هذا الطلب أو الأمر السياسي ومصلحة اليمن من منظوري في ذلك الواقع وتلك الظروف هي دافعي للقبول والكتابة.. لقد اكتفيت بطرح نقطتين على من طلب مني ذلك.
الأولى: أنني أعرف أن ذلك يراد منه أن يكون بمثابة اعتذار من طرفي عما كتبته في “الوطن القطرية”.
الثانية: قلت لهم الذي أعرفه هو أن نظام آل سعود ارتكز في التأسيس والتنشئة والاستمرار والبقاء على العداد اليمني وأفضل السيئين في هذا النظام يستحيل أن يغير في هذا المرتكز والمنهجية.
أستطيع التأكيد كشهادة للتاريخ أن علي عبدالله صالح ظل على إيمان كامل وفي مختلف الظروف ومتغيرات وتقلبات العلاقة مع السعودية بأن آل سعود لا يحملون غير العداء والحقد والكراهية تجاه اليمن والشعب اليمني، ولكن الطبيعي أن يتسيس ويسايس للتعامل مع الأمر الواقع الداخلي والخارجي ربطاً بآل سعود.
الدليل على ذلك بات يقدمه مشهد عدوان 2015م بوضوح فالسعودية هي الدولة الأولى في شراء السلاح على مستوى المنطقة والعالم وإذا المستحيل أن نصل إلى أي مستوى من تسليحها فالواضح هو أن علي عبدالله صالح كان يعد للدفاع عن اليمن في حالة مثل هذا العدوان المحتمل خاصته وأن السعودية كررت بعد الوحدة التهديد وبالذات في عهد “فهد” وحين وصلت التوترات الحدودية إلى الذروة في النصف الثاني من العقد التسعيني.
لقد قبلت الكتابة بأمر أو تكليف من أرضية هذا الفهم الأبعد والأعمق وبالتالي فهذا التقارب إلى مستوى من الالتحام بين أنصار الله والمؤتمر الشعبي أو بين الثنائي “الحوثي – عفاشي” من أجل مواجهة عدوان آل سعود والرد عليه هو من أبرز إيجابيات هذه المرحلة أو الفترة التاريخية.
أمريكا حقيقة هي التي عمدت أن تجعل ثورات 2011م كمحطة لها بلا رأس كزعيم لمعالجة وضع الشعبية الضعيف للإخوان ووضع كل واقع أنه لا بديل للإخوان.
إذا رأس الثورة في مصر 2013م كان وزير الدفاع فرأس الثورة في اليمن 2015م كان قائد المسيرة القرآنية عبدالملك الحوثي شخصيا فالمصيبة التي أكدتها حالتا مصر واليمن 2011م أنه لا يوجد في الإخوان قيادي ينفع ليكون رأساً أو زعيماً لثورة وأحسسنا أن “مرسي” هو الرئيس المحكوم أكثر من الرئيس الحاكم.
رئيس الإخوان أو الإصلاح “اليدومي” اختير بعد وفاة الشيخ عبدالله الأحمر كرئيس مؤقت أو توافقي فإذا الإخوان “الإصلاح” لم يصلوا إلى رئيس لحزبهم يقتنعون به “يمنح الثقة” فكيف لهم أن يأتوا برأس لثورة وكيف لهم التوافق على رأس سيحكم اليمن افتراضياً؟
الإخوان في اليمن هم غير الإخوان في المنطقة والعالم في الارتباط بالمال والولاء أكثر لآل سعود، ولذلك فإنهم حتى حين الخلاف مع آل سعود ربطاً بإخوان “رابعة” لم يمارسوا الحد الأدنى من المواقف السياسية الإعلامية بالحد الأدنى من الإقناع تجاه آل سعود ومارسوا فقط دور العجايز و”المتفرطات” في كلام و”قدقدة” المقايل حتى أجبرهم آل سعود على العودة أذلاء وصاغرين إلى بيت الطاعة السعودي.
نعم بعدما رفعت صور الملك “عبدالله” في مظاهرات السبعين مع علي عبدالله صالح أو النظام ولكنها في إطار المسايسة والتكتيك فيما مظاهرة واحدة للإخوان في الستين رفعت صور “عبدالله” وشعار “شكراً لملك الإنسانية” فيها تطويع وطاعة وبيت طاعة كما يجسدها لاحقاً رفع صور سلمان وشعار “شكراً سلمان”.
فالعدوان قد واقع وواقع التطويع والطاعة من مقارنة بين موقف الإخوان وموقف المؤتمر وذلك يقدم الفرق والمدلول بين مظاهرات السبعين والستين 2011م.
أكثر ما كنت معجباً به شخصية علي عبدالله صالح أنه كان وظل يسايس آل سعود في التعامل مع الواقع والأمر الواقع ولم يقبل أن يكون عميلا لهم بأي قدر في عقود حكمه مع تقديري لمن يرى أو يقول غير ذلك.
وأكثر ما يعجبني في زعيم المسيرة القرآنية الحوثي وأنصار الله أنهم جاؤوا ونشأوا على أساس العداء لآل سعود كرد فعل تلقائي على متراكم العداء الذي مارسه آل سعود تجاه اليمن في تاريخهم ومنذ مجيئهم للحكم ومن ذلك جاءت ملحمة مواجهة عدوان آل سعود والرد عليه بصمود وانتصارات مذهلة وتذهل العالم!