الوحدة .. الوطن .. التغيير
محمد السقاف
الوحدة ديانة سماوية قديمة هبطت إلى هذه الأرض قبل آلاف السنين .. اعتنقها الناس القدماء وآمنوا بها كفكرة مقدسة دون أن يتذكروا نبيا مرسلا أو قوما كانوا متفرقين ذلك الوقت حتى يبعث ذلك النبي فيهم لتوحيدهم ..
لكنهم رغم منشأها الغامض مازالوا يؤمنون بها على أنها قيمة حضارية لا يمكن الاستغناء عنها وحاجة إنسانية ابتكرها طلب هذا الكائن الشهواني لتوفير الأمن والسلام الإجتماعي حوله لا سيما بعد توسع دائرة الاختلاف العرقي والتنازع الغرائزي على النفوذ والثروة والتوسع.
الوحدة تطورت من صيغتها البدائية من اندماج قطيع واحد يسير خلف قائد إلى شكل الانتماء الجمعي لقبيلة صغيرة الحجم تشغل حيزا جغرافيا إلى أن اتسعت مع تضاعف النسل البشري واستهلاكه للموارد المتاحة في محيطه لتشمل بعدها تآلف زمرة من القبائل التي تضمها عوامل مشتركة وأعراف متشابهة وانخراطها تحت رآية موحدة لتعزيز السلام والشراكة الداخلية والتظافر للتصدي لأي طموح خارجي أو نزعة داخلية منحرفة لزرع الفوضى وذلك ما يؤسس لوحدة عضوية واستقرار معيشي ويوفر علاقات طبيعية وجو من الألفة والتعايش وهذا ما يسمونه غالبا “الوطن”.
وعليه فالوطن راسخ على الوجود ومتأصل فيه كشجرة تغوص في أحشاء الأرض لكنه ورغم ذلك الثبات إلا أنه وكأي شيء طبيعي عرضة دائما لسنن الطبيعة وأحكامها وللهزات المتعاقبة والرياح التي تفضي دائما للتغيير والاستبدال كي تتجدد الحياة فيها وتحافظ على سنن الكون السائدة منذ الأزل.
وعلى الرغم من أن الأفراد في بداية التغيير يبدون مخاوفهم المبررة من القوة الجديدة السائدة التي مازالوا يجهلونها وعلى الرغم من تعاطفهم مع القوة المتنحية المنهارة والتشبث بها من قبيل التوجس من الجديد المختلف لكنهم وفي خضم مناهضتهم الوطنية وبدافع الوطنية تتوقف المقاومة عند إحساسهم بالخوف من مضاعفات النزاع الذي قد يفضي دائما إلى تمزيق الوطن وتشطيره ..ساعتئذ تبرز على السطح مقاومة ذكية تقدم التنازلات من أجل الوطن وتتكيف مع الوضع القائم وتقبل بسيطرة الأمر الواقع تفاديا لتشتيت القوة وترك الوطن في حال مترهلة قد تغري أعداؤه الحاقدين على سحقه والانقضاض عليه.
في هذه المرحلة تتحرك الغيرة على الوطن ويبدأ صوت العقل بالاستيقاظ متفوقا على عصبية العاطفة العمياء مع التنازل للمنتصر المختلف نسبيا وتجريب الاعتراف على مضض بسلطته والتماشي معها مع محاولة توجيهها بالقدر المستطاع للحد من استفراده بتلك السلطة التي فرضها بالقوة وحتى لا يساء استخدامها بصورة لا تخدم المشروع الوطني المشترك ثم عندما يستتب الأمر له يتم مسايسته سلميا وسحب البساط من تحته تدريجيا وبالقدر الممكن والمقدور عليه إلى أن يرضى بالشراكة مع الجميع.
المحرك لهذا هي هزة الخوف على الوطن في ضمائر الأفراد والجماعات .. قد تتفاوت الدوافع وتختلف الأسباب لكنك ستجد الوطنيون عند هذه الهزة الوطنية يستيقظون في وقت واحد ويتفقون على شيء واحد ..
ويفهمون بشكل واحد أن هذه سنة التغيير التي لا مناص منها.. فلا مفر من مداولة الأيام بين الناس .. وستجدهم جميعا يتخلون عن أحقادهم في لحظة واحدة ويغسلون قلوبهم ويتفقون على أنه مهما شطرنا الاختلاف تبقى وحدة الوطن أهم.