عاصفة الحزم» السعودية… تورّط غير محسوب النتائج
: راسم عبيدات
———————
مسار جديد في تاريخ المنطقة بدأ مع إعلان السعودية الحرب على اليمن، وتشكيل حلف عربي إقليمي لهذه الغاية، بتأييد أميركي- تركي ومباركة أوروبية وغربية، وترحيب خاص من «إسرائيل».
السعودية أعلنت «عاصفة حزمها» من واشنطن، تيمناً بـ«عاصفة الصحراء» الأميركية التي شنت على العراق من أجل تدميره، ومن ثم احتلاله، مبرّرة تدخلها العسكري واستباحة سيادة دولة مستقلة، تحت سمع وبصر المؤسسات الدولية وجامعة الدول العربية، بأنها تأتي من أجل دعم الرئيس اليمني «الشرعي» الهارب عبد ربه منصور هادي واستجابة لنداءاته.
والمفارقة العجيبة الغريبة هنا، أنّ هذا التحالف بمكوناته ومركباته، هو الذي جند كلّ العصابات الإرهابية والمرتزقة من كلّ أصقاع وبقاع الدنيا، ووفر لهم كلّ مقومات القوة من مال وسلاح ورجال وتدريب وإيواء وإقامة ودعم لوجيستي وسياسي وإعلامي، من أجل قلب نظام الحكم في سورية وتدميرها وتفتيت جغرافيتها، وتحويلها إلى دولة فاشلة، في تعدّ صارخ ووقح على سيادة دولة مستقلة وعضو في هيئة الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، التي أخرج نبيل العربي أختامها الصدئة والمثقلة بالغبار، ليصادق على العدوان واستباحة أرض اليمن، تحت شعار وذريعة معاهدة «الدفاع العربي المشترك»، تلك المعاهدة التي طال انتظار الفلسطنيين لأكثر من ستة وستين عاماً، لكي يروا ترجمات لها على أرض الواقع، بالتصدي للاعتداءات «الإسرائيلية» الوحشية عليهم، ما يمكنهم من استعادة أرضهم، لكنّ صدى صراخ أطفال ونساء فلسطين، لم يصل إلى مسامع الحكام العرب، وبات الفلسطينيون على قناعة بأنّ أغلب العرب هم جزء من المؤامرة على وجودهم ومشروعهم الوطني.
فجأة، اكتشف الفلسطينيون أنّ لدى العرب طائرات وأسلحة، لكنّ وجهتها ليست فلسطين، فهذا المسار غير مسموح لها به، فكانت وجهتها اليمن وربما تكون في ما بعد العراق وسورية، حسب تعليمات المشغل الرئيسي في واشنطن، فالجهاد في فلسطين من الكبائر، وفرض عين في الشام وبغداد وطرابلس.
وما هو مستغرب وغير مفهوم، تورط مصر والسودان في هذه الحرب، وليس لهذا التورط سوى تفسير واحد وهو المال الخليجي المدفوع من كرامة المصريين.
يعيدنا التورط المصري في اليمن بالذاكرة إلى تدخلها في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، مع الفارق في الزمان والسياق والأهداف والتحالفات، فعبد الناصر تدخل لدعم القيادة اليمنية والشعب اليمني ضدّ التدخل السعودي في الشأن الداخلي، واليوم تتورط مصر لدعم التدخل السعودي في اليمن.
السعودية أعلنت الحرب العدوانية على اليمن، وفي جعبتها مجموعة من الأهداف تسعى إلى تحقيقها، وجاءت هذه الحرب في ظلّ تغيرات جيوسياسية استراتيجية تشهدها المنطقة، ما ينذر بأنّ السعودية ستكون الخاسر الأكبر، وأبرز هذه التغيرات هي أنّ إيران خصمها وعدوها المركزي الإقليمي، تقف على أعتاب توقيع اتفاقية «القرن» مع الغرب حول ملفها النووي، أما سورية فهي تتعافى سريعاً، حيث يحقق الجيش السوري المزيد من الانتصارات العسكرية على العصابات والتنظيمات الإرهابية التي أوجدتها السعودية ودعمتها تركيا وقطر وراهنت عليها لتكون «المعارضة المعتدلة» في أي حلّ سياسي مقبل، فتساقطت تلك العصابات والتنظيمات كأوراق الخريف. أما الجيش العراقي فقد بدأ، بدعم إيراني، باستعادة زمام الأمور وتحرير محافظة الأنبار وتكريت من عصابات «داعش»، وفي اليمن أصبح الحوثيون المدعومون من إيران على حدود السعودية، ما وضع عاصمتها بين فكي كماشة من بغداد إلى صنعاء، واقترب الإيرانيون والروس من السيطرة على باب المندب والبحر الأحمر، ناهيك عن السيطرة الإيرانية على مضيق هرمز.
لا تزال السعودية تواصل شنّ حربها العدوانية على اليمن، متصورة أنها قد تستطيع جرّ إيران إلى التدخل، ما يسهل تأليب العالم العربي والقوى الإقليمية والدولية عليها، قبيل توقيع الاتفاق النووي، وبالتالي تتمكن السعودية من خلط الأوراق، لكنّ طهران تعي حقيقة الأهداف السعودية، وهي أذكى من أن تتورط مباشرة في اليمن، وهي تدرك تماماً أنّ الحوثيين باتوا قادرين على استنزاف أي جيش غاز لبلدهم، وقد خبرت السعودية الحوثيين جيداً في حرب صعدة، الحرب السادسة، فالضربات الجوية التي تقوم بها السعودية وتحالفها العربي- الإقليمي، وتدمير البنية التحتية، والرهان على أنّ ذلك سيفقد الحوثيين السيطرة على الأمور، وعلى أنّ قوات هادي الرئيس المعزول والهارب والمثقل بالفساد، ستهبّ وتعيد السيطرة على الأوضاع، لم تحقق شيئاً سوى المزيد من الالتفاف الشعبي والجماهيري في اليمن حول جماعة «أنصار الله».
تريد السعودية لليمن أن يبقى فقيراً ومقسّماً ومعتمداً عليها من خلال قيادات ورقية وكرتونية تنفذ إرادتها وتأتمر بأمرها، وقد أحدث الظلم والفساد والفقر والجوع وتعمّق الجهل والتخلف والتفاوت الاجتماعي والطبقي والقمع والديكتاتورية والتحكم بكلّ مفاصل الدولة والسلطة ومواقع القرار، حالة كبيرة من التململ في المجتمع اليمني، وهذا ما دفع بالحوثيين إلى القيام بثورة شعبية جماهيرية ديمقراطية من أجل الإصلاح ومحاربة الفساد والتغيير ووقف «تغول» و«توحش» القوى الطفيلية والفاسدة على مؤسسات الدولة والجماهير الشعبية ونهب خيرات ومقدرات وثروات البلاد.
لم يكن في حسابات أميركا وحلفائها من مشايخ الخليج، أنّ الحوثيين سيتمكنون من السيطرة على اليمن، ليتضح لهم لاحقاً أنّ الجماهير اليمنية وقفت إلى جانبهم، وسهلت لهم بالتعاون مع الجيش السيطرة على العاصمة صنعاء أولاً، من ثم السيطرة على الجنوب عدن لاحقاً.
إنّ ما يجري في اليمن قد يمتد إلى البحرين والكويت، ما يشكل خطراً جدياً على حلفاء أميركا، كما أنّ تداعيات الزلزال اليمني والمؤامرة العربية ـ الخليجية التي تشارك فيها الدول المنتفعة من موائد الرحمن الخليجية مصر،الأردن، والسودان ستتجاوز حدود اليمن ومنطقة الخليج العربي، لتطال تأثيراتها كامل المنطقة، وخصوصاً السعودية.
ثمة عدة سيناريوهات مرجحة قد تخرج او تنتج عن هذا العدوان على اليمن،التسليم بأن شمال البلاد،قد خضع للحوثيين وحلفائهم،ولإيران من ورائهم … وأحسب أن أصواتاً خليجية وسعودية بالذات،باتت تتحدث بوضوح عن هذا السيناريو وترجحه وتفضله،بل وباتت تتوسع في الحديث عن مزايا الجنوب وأهله، قياساً بالشمال وقبائله وحوثييه.
وكذلك هذه الحرب قد تمهد لتسوية إقليمية شاملة ما بين موسكو وطهران من جهة،وواشنطن وحلفائها عربان الخليج وتركيا واسرائيل واوروبا الغربية من جهة اخرى،وقد تنزلق الأمور نحو حروب قد تخرج عن إطارها الإقليمي،لتشمل مروحة واسعة من الدول.
وختاماً أقول رغم كل ما يجري،ورغم العدوان على اليمن،فإن قاطرة التغيير بدأت باليمن وهي مستمرة لتنهي عقود من التسلط والديكتاتورية وإذلال الشعوب وحرمانها من ابسط حقوقها على يد ملوك وشيوخ وامراء إستعبدوها وأذلوها.