الناجون من مجزرة حي عطان لاجئون في مجاري الـمياه!
صنعاء | متابعات |
دقائق قليلة يوم الاثنين الموافق 20 نيسان الماضي، كانت كفيلة بتحويل حي عطان في العاصمة صنعاء من حي حديث إلى «مدينة أشباح»، بعدما أقدم العدوان السعودي على قصف جبل عطان بقبائل عنقودية محرمة دولياً.
ونشرت منظمة «هيومن رايتس ووتش»، تقريراً طويلاً في الثالث من الشهر الجاري، أشارت فيه إلى «أدلة ذات صدقية على أن التحالف الذي تقوده السعودية استخدم ذخائر عنقودية محظورة، صناعة أميركية، في غاراته على قوات الحوثيين في اليمن»، مذكرةً بأن الذخائر العنقودية «تشكّل خطراً طويل الأمد على حياة المدنيين، وهي محظورة بموجب اتفاقية اعتمدها 116 بلداً في 2008».
وقال مدير قسم الأسلحة في «هيومن رايتس ووتش»، ستيف غوس، في التقرير نفسه: «أصابت الذخائر العنقودية التي استخدمت في الغارات التي تقودها السعودية مناطق قريبة من قرى محلية، فعرّضت حياة الناس للخطر، ولأن هذه الأسلحة محظورة في جميع الظروف، فإن السعودية والدول الأخرى المشاركة في التحالف، ومعها الولايات المتحدة التي صنّعت الأسلحة، تضرب عرض الحائط بالمعيار الدولي الذي يحظر استخدام الذخائر العنقودية لأنها تعرّض حياة المدنيين للخطر على الأمد الطويل».
الحصيلة الأولية لذلك الانفجار الذي هزّ العاصمة صنعاء، كانت 84 شهيداً و547 جريحاً، بحسب إحصائية وزارة الصحة، غير أن المنظمات العاملة في مجال الرصد والإغاثة التي نشرت تقاريرها لاحقاً وبينها «الائتلاف المدني لرصد جرائم العدوان»، أشارت إلى أن عدد الشهداء وصل إلى 126 بسبب معاناة بعض المصابين من غازات سامة أو جروح بليغة أدت إلى وفاتهم في ظل شحّ إمكانات المستشفيات وعدم خبرة الكادر الطبي في التعامل مع حالات مماثلة يواجهونها للمرة الأولى.
وعلى الضفة الأخرى من تلك الكارثة، نجد مشكلة النازحين أيضاً، الذين وصلت أعدادهم إلى الآلاف بحسب الائتلاف اليمني لرصد جرائم العدوان وفريق إغاثة اليمن.
سببت الغارة السعودية على حي عطان، التي استُخدمت فيها القنابل العنقودية، بأضرار بالغة للمنازل والعمارات، إما بشكل كلّي أو بشكل جزئي.
وكما هي الطبيعة العمرانية للأحياء السكنية الحديثة في صنعاء يتكون حي عطان من منازل وعمارات فخمة وحديثة تضررت جزئياً، لكنها فقدت أهليتها للسكن فيما تحيط بالحي منازل شعبية متواضعة مبنية من الطوب، وهي التي تضررت كلياً، حتى تحول معظمها إلى ركام، جراء الهزة التي سبّبتها الغارة السعودية.
ومن أبرز الملاحظات التي أثيرت جراء عملية النزوح جراء العدوان، غياب المنظمات الإغاثية الدولية التي غادرت في بداية العدوان أو مُنعت من العمل بسبب الحصار السعودي المفروض على اليمن، ولذلك تكونت العديد من المنظمات بالتزامن مع العدوان بجهود ذاتية من المحامين والأطباء والناشطين والحقوقيين اليمنيين.
من تلك المنظمات يبرز «فريق إغاثة اليمن» الذي تأسس بجهود ذاتية يمنية، وفتح مراكز لإيواء النازحين على إثر حادثة قصف حي عطان بالعاصمة صنعاء.
ويقول المسؤول الإعلامي في الفريق، محمد الرعيني، إن المجموعة جهزت مركزاً لإيواء 23 أسرة مكونة من 125 فرداً جلّهم من الأطفال والنساء وبصدد الخطوات النهائية لإيواء أكثر من 60 أسرة مكونة من أكثر من 500 فرد في مركزين سيتم فتحهما قريباً.
في السياق، تحولت حدائق المستشفيات في صنعاء إلى مخيمات للنازحين من ذوي الجرحى والمصابين الذين يفترشون الأرض ولديهم خيام صغيرة للنساء والأطفال، فيما ينام الكبار منهم في العراء، كذلك تحوّلت مراكز إيواء النازحين إلى مستشفيات صغيرة، كما هي حال المركز التابع لفريق إغاثة اليمن الذي شارك في تكوينه مجموعة من الأطباء يقدمون الخدمات الطبيعة لمن كانت إصاباتهم طفيفة من النازحين ولا تستدعي الذهاب إلى المستشفيات المكتظة بجرحى العدوان.
وفي وقتٍ شرح فيه الصعوبات التي تواجه الفريق، يطالب المسوؤل الإعلامي بإيصال نداءهم لرجال الأعمال اليمنيين والتجار والمنظمات الدولية إلى دعم الفريق ليتمكن من مواجهة متطلبات إيواء النازحين.
الفقراء من سكان حي عطان، الذين دمرت بيوتهم في الحي الشعبي (يصل عددها بحسب المركزي اليمني الحقوقي إلى 243 منزلاً)، لم يتمكنوا من إيجاد مساكن مؤقتة ولم تتسع لهم مراكز الإيواء، لذلك اتخذوا من مجاري مياه الأمطار الاسمنتية تحت الأرض مساكن لهم وباتوا يقضون فيها أيامهم، غير بعيد من منازلهم التي قضى عليها العدوان السعودي.
في مجرى السيول، تكون تجمعٌ يشبه قرية جديدة ضمت أشخاص يجمعهم الفقر المدقع والمنازل المهدمة والذاكرة المشتركة. عبد فتاح البيضاني (60 عاماً) رب أسرة مكونة من عشرة أفراد، يروي بمرارة معاناته وأسرته جراء القصف السعودي الذي تكرر على حيهم مرات عدة أنه قرر البقاء في منزله رغم القصف والخطر المحدق لأنه لا يملك خياراً آخر.
وحين قصفهم العدوان السعودي بالأسلحة المحرمة، تهاوى منزله على الموجودين فيه، لتقتل ابنته البالغة من العمر 16 عاماً ويرقد اثنان من أبنائه في المستشفى بعد إصابتهم بجروح خطرة، فيما نجت بقية الأسرة لوجودها ساعة القصف خارج المنزل.
ويضيف البيضاني أنه هرع بعد القصف إلى المنزل ليجده قد أصبح أثراً بعد عين، وقد أسعف من أصيب من أبنائه إلى المستشفى، فيما عانى من لمّ شمل الأسرة التي يمتهن أطفالها بيع المياه والسجائر في الإشارات، وبعد ذلك استقر بهم المطاف في مجاري السيول مفترشين ما استطاعوا انتشاله من أنقاض المنزل.
لم تكن حكاية البيضاني إلا نموذجاً لأكثر من مئتي أسرة.
رجلٌ آخر يُدعى سعد البرطي يقول إنه فقد أسرته المكونة من 6 أفراد، نجا هو من القصف السعودي على حيهم ذلك اليوم وابنته التي كانت بصحبته خارج المنزل لحظة القصف.
من جهته، يشي رئيس المركز اليمني الحقوقي، المحامي طه أبو طالب، من علو إلى الحي الذي أصبح ركاماً، وكأنه لم يكن أصلاً، ليقول إن المدنيين بدوا كأنهم هدف السعودية الرئيسي في هذا العدوان، مضيفاً أن المركز ومنظمات أخرى قد أعدوا ملفات قانونية ووثائق دامغة، «في خطوةٍ تسعى إلى محاكمة أمراء الحرب من آل سعود أمام المحاكم الدولية».
الأخبار : إبراهيم السراجي