الوهابية والصهيونية وطمس الآثار الاسلامية
ما إن تحدث الامين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله عن محاولة الوهابية عام 1926 هدم قبر النبي(ص) حتى انطلقت بعض الاقلام المستنكرة والنافية لهذا الحدث. بعضها سعى لإنكار الواقعة من رأس، فيما سعى آخرون للتلاعب على الألفاظ تارة، وعلى الوقائع تارة أخرى. قائلين ان الوهابية لم تسع يوما لنبش قبر النبي، وهذه العبارة الاخيرة فيها ما فيها.
اولا لا بد من الاشارة الى ان السيد نصر الله لم يتحدث عن نبش قبر النبي بل تحدث عن تسويته بالارض، بمعنى هدم القباب وكل ما بني عليه، تبعا لما جرى على سائر اضرحة اهل البيت عليهم السلام وبعض الصحابة، حيث ذكر السيد نصر الله ان قبورهم قد سويت بالأرض ووضع حجر على قبر كل منهم، كعلامة على وجوده دون أية إشارة لصاحبه.
إن ادعاء البعض ان الوهابية لم تسع يوما لنبش قبر النبي وان القضية انما تتعلق بالقباب هو في الواقع اعتراف بصحة ما أورده الامين العام.
ومهما يكن من أمر فإن القضية تتعلق بنقطتين أساسيتين:
الاولى : ان الفكر الوهابي يرى في بناء القباب او المساجد على القبور مظهرا من مظاهر الشرك يجب إزالته.
الثانية : أن آل سعود والوهابية قد هدمت بالفعل عشرات القبور والاماكن الدينية الاثرية، وهذا أمر لا مجال لإنكاره.
هدم منزل النبي وبناء مكتبة عليه
ومن هنا فان بقاء قبر النبي سالما من العبث الوهابي ليس بسبب عدم محاولتهم هدمه وطمس معالمه، وهو بنظرهم مظهر شرك، لا يختلف من هذه الناحية عن سواه من المعالم التي طمست، سواء ما يتعلق منها بالنبي نفسه أو بأهل بيته واصحابه. وهذا يعني ان بقاء القبر الشريف سببه الخوف من تداعيات مثل هذه المحاولات وردود الفعل التي يمكن ان يقوم بها المسلمون. وهذا بالضبط ما حدث عام 1926.
في هذا الإطار كان الكاتب السعودي المعارض ناصر السعيد قد فضح آل سعود وتاريخهم من خلال كتابه “تاريخ آل سعود” هذا الكتاب الذي حاربته المملكة في معظم انحاء العالم ودفعت الاموال الطائلة لمنع نشره، فضلا عن الاقلام المأجورة التي سخرتها للتشكيك بمصداقية الكتاب ومعلوماته. علما أن ناصر السعيد قد دفع حياته ثمنا لهذا الكتاب، حيث قامت الاستخبارات السعودية باختطافه من بيروت عام 1979 وإعدامه. وقد قيل ان الملك فهد بن عبد العزيز قام بنفسه برميه من طائرة مروحية وهو حي بعد تعذيبه.
يعتبر ناصر السعيد أول معارض لنظام الحكم في السعودية منذ نشوئها عام 1932.ولد في مدينة حائل شمال وسط الجزيرة العربية عام 1923 (أي بعد سقوط حائل بيد عبد العزيز آل سعود بعام واحد).انتقل إلى الظهران عام 1947 للعمل في استخراج النفط وتكريره مع شركة ارامكو وعاش مع بقيه العمال السعوديين ظروفاً معيشية صعبة، فقاد مع زملائه هناك سلسلة من الإضرابات للمطالبة بتحسين ظروفهم المعيشية والسكنية ورضخت الشركة لمطالبهم. وفي عام 1953 قاد ناصر انتفاضة العمال للمطالبة بدعم فلسطين وتم اعتقاله وارسل إلى سجن العبيد في الإحساء وافرج عنه لاحقاً وحكم عليه بالإقامة الجبرية في مدينة حائل، وبعد موت الملك عبد العزيز أقيم حفل استقبال للملك الجديد (سعود) في مدينة حائل فألقى فيه ناصر السعيد خطاباً طالب فيه بإعلان دستور للبلاد وبإصلاح وتنظيم الموارد المالية للدولة وحماية الحقوق السياسية وحقوق حرية التعبير للمواطنين، وفي عام 1956 غادر من حائل إلى مصر بعدما علم بصدور أمر بإلقاء القبض عليه وإعدامه.
وعلى أية حال، فقد ذكر السعيد في كتابه الوقائع التالية:
– هدم آل سعود البيت الذي ولد فيه النبي العربي محمد بن عبد الله بشعب الهواشم بمكة.
– هدم آل سعود بيت السيدة خديجة بنت خويلد، زوجة النبي.
– هدم بيت ابي بكر ويقع بمحلة المسفلة بمكة.
– هدم البيت الذي ولدت فيه السيدة فاطمة الزهراء ، وهو في زقاق الحجر بمكة.
– هدم بيت حمزة بن عبد المطلب عم النبي ويقع بيته في المسفلة بمكة.
– هدم بيت الارقم أول بيت تكونت فيه الخلايا الثورية المحمدية وكان يجتمع فيه الرسول سرا مع أصحابه حيث قامت الدعوة من هذا البيت.
– هدم قبور الشهداء الواقعة في المعلى بأعلى مكة وبعثروا رفاتهم .
– هدم قبور الشهداء في بدر وكذلك هدموا مكان العريش “التاريخي” الذي نصب للنبي.
– هدم البيت الذي ولد فيه الحسن والحسين.
– سرقة آل سعود للذهب الموجود في القبة الخضراء، وتحويله إلى سيوف وخناجر وأحزمة وقباقيب ذهبية وأحذية وخواتم وخلاخيل وأساور.
– تدمير آل سعود بقيع الغرقد في المدينة المنورة حيث يرقد المهاجرون والأنصار من صحابة محمد وبعثرة رفاتهم.
– ولقد هّم آل سعود بتدمير القبة التي تظلل وتضم جثمان صاحب الرسالة محمد بن عبد الله وبنبش ضريحه، لكنهم توقفوا حينما وقف الشعب وبعض العلماء الصالحين من شعبنا ومن كافة البلاد الإسلامية. وحدثت ضجة كبرى ضدهم… فارتدوا على أعقابهم خاسئين… [راجع كتاب من تاريخ آل سعود ص 126- 128].
– حرق المكتبة العربية بمكة المكرمة، وهو مشابه لما يقوم به “داعش” اليوم عندما حرق مكتبة الموصل. وقد جاء في النصوص التاريخية حولها : «وحرق الوهابية المكتبةَ العربية في مكة المكرمة وهي من أنفس مكتبات العالم، إذ كانت تحوي ستين ألفاً (60,000) من الكتب النادرة، وحوالي أربعين ألف (40,000) مخطوطة، بعضها مما أملاه النبي، وبعضها كتبه الخلفاء الراشدون وسائر الصحابة، ومنها ما هو مكتوب على جلود الغزلان والعظام والألواح الخشبية والرقم الفخارية والطينية، كما كانت المكتبة تشكل في جانب منها متحفاً يحتوي على مجموعة من آثار ما قبل الإسلام وبعده.
– إزالة آثار بيت النبي وبناء مكتبة عليه، وقد ذكر صاحب كتاب (الرحلة الحجازية) بداية إنشاء المكتبة في موضع المولد النبوي الشريف.
البقيع قبل الهدم
إضافة الى ذلك فقد نشرت صحيفة البلاد السعودية في عددها رقم 998 للسنة الخامسة عشرة الصادر يوم الأحد 25 جمادى الأول 1370هـ، الموافق 4 آذار مارس 1951، خبراً تحت عنوان: (مدرسة ومكتبة في الأماكن التاريخية). يقول الخبر: “تفضل حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم الملك عبد العزيز فمنح سعادة الشيخ عباس قطان الأرض البيضاء المعروفة بدار السيدة خديجة زوجة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها، لإقامة مدرسة لتحفيظ القرآن الكريم على أنقاض هذه الدار، كما تفضل فمنحه أيضاً المكان الذي ولد فيه الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم لبناء مكتبة ضخمة يؤمها رواد العلم وطلابه، ويشرع هذا الأسبوع بالبناء حسب التصميم الذي وضع لذلك”.
ومن كل هذا المعلومات التي أوردها السعيد وغيره فإن الوقائع تشير الى حصولها بالفعل، فلماذا تم التشكيك فقط بالقضية المتعلقة بقبر النبي؟
على ان محاولات الوهابية لتسوية القبر الشريف لم تتوقف الى اليوم، وهي تتخذ أشكالا متعددة اهمها عنوان التوسعة للمسجد النبوي. ومنها الدراسة التي صدرت العام الماضي والتي قدمها الدكتور علي الشبل الأكاديمي في جامعة محمد بن سعود، حيث أوصى بنقل قبر الرسول وحجراته من حرم المسجد النبوي الشريف لخارج المسجد، و طالب في دراسته التي نشرت في المجلة العلمية المحكمة، الصادرة عن مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي، التابع للرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، بهدم الجدار العثماني، وعدم تجديد اللون الأخضر على القبة، وطمس الأبيات الشعرية من قصائد المدح المكتوبة في محيط الحجرة، وذلك “درءًا لشر الشرك والتوسل والاستغاثة بالرسول صلى الله عليه وسلم في قبره وهو ميت”، حسب وصف الدراسة.
البقيع بعد الهدم
وكانت بعض الصحف البريطانية قد ترجمت أجزاء من هذه الدراسة، وقامت بإعادة نشرها في تقارير خلال شهر ايلول/ سبتمبر 2014 تحت عنوان (السعودية قد تخاطر بإحداث انشقاقات بين المسلمين بسبب خطط لنقل قبر الرسول). وكان أبرز التقارير ما كتبه الصحافي البريطاني أندرو جونسون لصحيفة “الاندبندنت” كشف ان المملكة العربية السعودية “تخطط لنقل قبر الرسول” ودفن رفاته في مقابر البقيع في “قبر غير معلوم”. وجاء في التقرير الذي تصدّر الصفحة الاولى للجريدة البريطانية في الأول من أيلول 2014 ان هذا المخطط يأتي ضمن مخططات توسعة وتجديد الأماكن المقدسة في السعودية. وقال جونسون في تقريره ان هذ الأمر قد يؤدي إلى “إحداث فتنة في العالم الاسلامي”.
وأضاف جونسون أن “الدعوة إلى نقل قبر النبي قد يؤدي إلى فتنة لا مفر منها”.
تتشابه الظروف والاساليب التي ولدت من خلالهما مملكة آل سعود مع ظهور الكيان الغاصب، إن لناحية وعد بلفور ومشابهته لاتفاقية دارين عام 1915 والتي أدت لنشوء الدولة السعودية الثالثة، أو لناحية الغزوات التي كانت تقوم بها العصابات الوهابية ومشابهتها لعصابات الهاغانة وشتيرن الصهونية. لكن ثمة مشابهة أخرى تتعلق بهدم وطمس المعالم الاسلامية: ففي الوقت الذي يسعى فيه الصهاينة لهدم بيت المقدس والحرم القدسي بحجة حفريات عن هيكل مزعوم، يسعى آل سعود والوهابية لهدم قبر النبي بحجة أعمال توسعة المسجد النبوي ومحاربة مظاهر الشرك كما يزعمون.
موقع العهد الإخباري